البُنّ الإفريقي: تراث عريق ونكهة عالمية

تحرير: أفريكا آي

يُعدّ البُنّ من أقدم وأهم المحاصيل التي عرفت بها القارة الإفريقية، حيث تعود أصوله إلى إثيوبيا التي تُعتبر مهد القهوة في العالم. فقد وُثّقت الروايات الشعبية التي تتحدث عن اكتشاف الراعي لخصائص القهوة التنشيطية من خلال سلوك ماعزه، ومن هناك بدأت رحلة القهوة إلى اليمن، ثم إلى بقية أنحاء العالم. ولا تزال إفريقيا حتى اليوم تُحافظ على خصوصيتها في إنتاج أنواع فريدة من البُنّ ذات جودة عالية ومذاق مميز.

إفريقيا ليست فقط موطنًا تاريخيًا للبُنّ، بل هي أيضًا من أبرز القارات المنتجة له على مستوى العالم. دول مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا تنتج كميات ضخمة من القهوة، وتُصدّرها إلى الأسواق العالمية. وتتميّز كل منطقة بطابعها الفريد، فمثلًا تتمتع القهوة الإثيوبية بنكهات زهرية وفاكهية، بينما تمتاز الكينية بحموضتها الواضحة، وتُستخدم قهوة أوغندا القوية في الخلطات التجارية.

يمثل البُنّ مصدر دخل رئيسيًا للملايين من صغار المزارعين في إفريقيا، إذ تُوظَّف أعداد كبيرة من السكان في زراعته، حصاده، معالجته، وتصديره. ويُعدّ هذا المحصول ركيزة أساسية في اقتصادات عدد من الدول الإفريقية، حيث تُشكّل صادرات القهوة نسبة كبيرة من العائدات القومية لبعض البلدان مثل إثيوبيا وأوغندا.

ومع ذلك، فإن زراعة البُنّ في إفريقيا تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التغير المناخي الذي يؤثر بشكل مباشر على إنتاجية وجودة المحصول. ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار يهددان البيئات المرتفعة التي تُزرع فيها أنواع “أرابيكا” عالية الجودة. كما أن تقلب الأسعار في الأسواق العالمية يُعرّض المزارعين الصغار لمخاطر اقتصادية كبيرة.

إضافة إلى ذلك، تفتقر كثير من مناطق زراعة البُنّ في إفريقيا إلى البنية التحتية المناسبة. الطرق الرديئة، وضعف أنظمة النقل والتخزين، ونقص التكنولوجيا الحديثة في المعالجة، كلها عوامل تؤثر على جودة القهوة وتحدّ من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، خصوصًا في مواجهة منتجين كبار من أمريكا اللاتينية وآسيا.

رغم هذه التحديات، فإن القهوة الإفريقية تملك فرصًا كبيرة للنمو والتميز، خاصة في سوق القهوة المختصة الذي يزداد طلبه على المنتجات عالية الجودة ذات الطابع المحلي المميز. يمكن للدول الإفريقية أن تستفيد من هذه الفرصة من خلال دعم التعاونيات الزراعية، تحسين أساليب الزراعة والمعالجة، وتطوير العلامات التجارية المحلية التي تُبرز هوية المنتج.

في نهاية المطاف، البُنّ الإفريقي ليس مجرد سلعة زراعية بل هو جزء من تراث القارة وثقافتها. إن العناية بهذا المحصول وتطوير سلاسل إنتاجه وتسويقه يُعدّ استثمارًا في الإنسان والبيئة والتاريخ، وفرصة لتعزيز مكانة إفريقيا على خريطة القهوة العالمية، لا كمجرد منتج، بل كقوة مؤثرة في تذوق العالم للقهوة.

 

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض