الدم في زيمبابوي… مورد مجاني على الورق ومكلف في الواقع

تحرير: صفاء فتحي

يواجه آلاف المرضى في زيمبابوي معضلة حقيقية عند الحاجة لنقل الدم، إذ تحول هذا المورد الحيوي إلى عبء مالي يفوق قدرة الغالبية، رغم اعتماد سياسة “الدم المجاني” في المؤسسات الصحية الحكومية منذ سنوات. وبينما ينص القانون على مجانية الدم، الواقع يبقى مختلف، تقيده اختلالات في التوزيع، محدودية التمويل، ونقص حاد في الإمدادات.

تتكرر القصص التي تعكس هشاشة الوضع، إذ يجد المواطن نفسه مضطرا للجوء إلى القطاع الخاص للحصول على الدم، بتكاليف تفوق أحيانا الحد الأدنى للأجور بأضعاف. وبينما تلتزم الجهات الرسمية بتغطية تكلفة الوحدة الواحدة، التي تصل إلى 250 دولارا، عبر نظام قسائم مدعوم حكوميا، لا تصل هذه التغطية دائما إلى المرضى في وقت الحاجة، مما يضطر الأسر إلى بيع ممتلكات أو الاستدانة بأسعار فائدة مرتفعة لتأمين وحدات الدم.

تعجز المستشفيات الحكومية، خاصة في المناطق النائية، عن الحفاظ على مخزون دائم من الدم، بفعل محدودية مراكز التبرع وتراجع وتيرة الحملات التحسيسية، خصوصا في الفترات التي ينخفض فيها إقبال الشباب على التبرع. وتواجه الجهات المكلفة بتوزيع الدم تحديات تشغيلية تتعلق بتوفير الوقود، تمويل الحملات، واقتناء المواد الضرورية للمعالجة والتخزين.

يؤدي هذا النقص إلى ارتفاع الاعتماد على المستشفيات الخاصة التي تحدد أثمنة غير خاضعة للرقابة، وقد تصل إلى 500 دولار للوحدة الواحدة، ما يضيف عبئا إضافيا على الأسر محدودة الدخل. وتزداد الأزمة حدة في حالات الطوارئ، مثل حوادث السير أو مضاعفات الولادة، حيث يصبح الوقت عاملا حاسما لا يحتمل التأخير. وغالبا ما يتكبد المتبرعون أنفسهم تكاليف التنقل من مناطقهم إلى مراكز التبرع، ما يقيد إمكانية التبرع المنتظم، رغم الحوافز الرمزية المعتمدة.

وفي ظل هذه المعطيات، تطرح قضية استدامة إمدادات الدم نفسها بإلحاح، إذ يربط خبراء الصحة معدلات الوفيات، خاصة بين النساء الحوامل، بضعف التغطية وجودة الخدمات المرتبطة بنقل الدم. تظهر الإحصائيات المتوفرة أن البلاد تسجل نسب وفيات أمومة مرتفعة، يمكن خفضها بشكل كبير من خلال ضمان نقل الدم في الوقت المناسب.

تفرض هذه الأزمة مراجعة شاملة لنظام تمويل الدم في زيمبابوي، مع التركيز على ربط السياسات بالقدرة على التنفيذ الميداني. كما تبرز الحاجة لتفعيل آليات مراقبة الأسعار في القطاع الخاص، وضمان استفادة كل المواطنين من حقهم في العلاج دون تمييز طبقي أو جغرافي. ويبقى تعزيز ثقافة التبرع الطوعي والمنتظم، خاصة بين الشباب، مدخلا أساسيا لتجاوز الاختلالات القائمة، شريطة أن يواكب ذلك دعم مؤسسي فعلي يضمن العدالة في توزيع هذا المورد الحيوي.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض