اتفاق بريتوريا في مفترق طرق: تصاعد التوترات يهدد مسار السلام في إثيوبي

تحرير: صفاء فتحي

تتصاعد التوترات في القرن الأفريقي بينما ينشغل المجتمع الدولي بأزمات أخرى، ويبرز الاتفاق الموقع بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في نونبر 2022 كمحور أساسي لفهم التحديات الراهنة في المنطقة. بعد قرابة عامين على توقيع اتفاق بريتوريا، تتآكل أسس التسوية التي أنهت حربا امتدت لعامين، مخلفة آلاف الضحايا وأكثر من مليون نازح. ورغم إشراف الاتحاد الأفريقي على الاتفاق، فإن تنفيذه تعثر في جوانب أساسية، من بينها انسحاب القوات الإريترية، تسوية المناطق المتنازع عليها، عودة النازحين، وتفعيل العدالة الانتقالية.

أدى غياب التقدم في تطبيق البنود المتفق عليها إلى تآكل الثقة بين الأطراف، بينما اقتصرت بعض المكاسب على استعادة جزئية للخدمات الأساسية في إقليم تيغراي. ومع تواتر الانتقادات لضعف دور البعثة الإفريقية وعدم ممارسة ضغوط دولية فعالة، برزت ملامح اصطفافات جديدة داخل الإقليم. وتراجعت شرعية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في أعين جزء من قاعدتها الشعبية، في ظل اتهامات بالتقصير والانقسام حول المسار السياسي. تفجرت الخلافات خلال تشكيل الإدارة المؤقتة للإقليم، حيث قاطع نائب رئيس الجبهة، غيتاتشو رضا، مؤتمرها الرابع عشر في غشت 2024، بدعم من شخصيات إصلاحية. هذا التيار، الذي جذب دعما من فئات شبابية ومثقفين، واجه حملة إقصاء داخل الحزب.

انعكس هذا الانقسام على المشهد السياسي والعسكري، حيث أعلن في يونيو 2025 عن تأسيس حزب “تضامن تيغراي الديمقراطي” (سمرت)، وحصل على اعتراف أولي من المجلس الانتخابي. وبموازاة ذلك، أثيرت شبهات حول قضايا فساد، من بينها تهريب الذهب، طالت عناصر من قيادة الجبهة، ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي في الإقليم. حاولت الحكومة الفيدرالية احتواء التوتر بتعيين غيتاتشو مستشارا لشؤون شرق أفريقيا، ثم تعيين الجنرال تاديسي وردي رئيسا مؤقتا للإقليم، دون أن يسهم ذلك في إنهاء حالة الانقسام.

في الأثناء، أدى إعلان الحكومة الإثيوبية في أكتوبر 2023 عن سعيها للحصول على منفذ بحري مباشر، إلى تأجيج التوترات الإقليمية. وأسفر توقيع مذكرة تفاهم مع صوماليلاند في يناير 2024 عن ردود فعل حادة من دول الجوار، إذ عبرت الصومال عن رفضها القاطع للاتفاق، واعتبرت دول أخرى، من بينها جيبوتي، مصر، وإريتريا، أن الخطوة تنتهك التوافقات الإقليمية. وعلى الرغم من وساطة تركية هدأت منسوب التوتر، فإن الخلافات بقيت قائمة.

على خلفية هذا التوتر، تشهد مناطق مثل عفر تزايدا في الاحتقان، نتيجة شعور قطاعات من سكانها بالتهميش. وتبرز تحديات مماثلة في إقليمي أوروميا وأمهرا، حيث يتواصل الاحتجاج المسلح، فيما تظهر تحالفات متغيرة وسريعة الزوال. أما العلاقة بين أديس أبابا وأسمرا، التي شهدت تحسنا بعد صعود آبي أحمد عام 2018، فقد عادت إلى التدهور بعد اتفاق بريتوريا، في ظل خلافات حول مخرجات الحرب ومسارات النفوذ.

في ظل هذا الوضع، تطرح تساؤلات حول فعالية الحلول المتبناة منذ عقود. إذ لم تؤد محاولات الإصلاح السياسي إلى بناء عقد اجتماعي متين، وظلت السياسات المركزية أو الفيدرالية شكلية في كثير من الأحيان.

تتقاطع هذه الأزمات الداخلية مع المشهد الإقليمي، حيث تلعب المتغيرات في السودان دورا إضافيا في إعادة تشكيل التحالفات. وفي ظل هذا التداخل بين الملفات، يبقى السلام في إثيوبيا هشا، ومرتبطا ليس فقط بوقف الأعمال العسكرية، بل أيضا بإرادة سياسية شاملة لإعادة بناء الثقة وإنهاء التهميش. وبينما تنتقل التوترات من جبهة إلى أخرى، يبقى مستقبل اتفاق بريتوريا معلقا بين التطلعات إلى الاستقرار وواقع الانقسام المتجذر.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض