القواعد العسكرية الأجنبية في إفريقيا: الهيمنة الجديدة أم الشراكة الأمنية؟

تحرير: أفريكا آي

تشهد القارة الإفريقية تزايدًا ملحوظًا في الوجود العسكري الأجنبي، حيث أصبحت العديد من الدول الإفريقية مواقع دائمة أو مؤقتة لقواعد عسكرية تديرها قوى عالمية كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا. هذا الوجود لا يأتي من فراغ، بل يعكس إدراك هذه الدول للأهمية الجيوسياسية والاقتصادية المتنامية لإفريقيا، خاصةً في ظل التغيرات العالمية والتنافس الدولي على الموارد والنفوذ.

تحتضن دول إفريقية مثل جيبوتي، التي تقع على مضيق باب المندب، قواعد عسكرية متعددة، إذ تستضيف في الوقت نفسه قواعد أمريكية وصينية وفرنسية، مما يجعلها ساحة تنافس مباشر بين هذه القوى. كما تنشط فرنسا عسكريًا في منطقة الساحل الإفريقي، تحديدًا في مالي والنيجر وتشاد، بينما تعقد روسيا اتفاقيات عسكرية مع عدة دول، وتقدم دعمًا عسكريًا مباشرًا لبعضها، في حين تبني الصين وجودًا استراتيجيًا يتكامل فيه الاقتصاد بالدعم الأمني.

تبرر الدول الأجنبية وجودها العسكري في إفريقيا بعدة مبررات، أبرزها المساهمة في محاربة الإرهاب، ودعم الاستقرار، وتأمين الممرات البحرية الدولية، فضلًا عن تدريب الجيوش المحلية. إلا أن هذه التبريرات، رغم وجاهتها الظاهرية، لا تنفصل عن المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد لتلك الدول، خاصة في ظل ما تشهده القارة من صراعات داخلية وفراغ أمني في بعض المناطق.

من ناحية أخرى، لا يخلو الوجود العسكري الأجنبي من آثار سلبية، أبرزها تعقيد الصراعات المحلية وتضاؤل السيادة الوطنية، حيث تشعر بعض الشعوب الإفريقية بأن بلدانها أصبحت مسرحًا لتصفية الحسابات الدولية أو لتأمين مصالح أجنبية على حساب احتياجاتها الفعلية. ويعزز هذا الشعور ما يُثار من قضايا حول التدخلات العسكرية المباشرة أو الدعم الممنوح لأنظمة غير ديمقراطية مقابل الولاء.

ورغم هذه التحفظات، لا يمكن إنكار أن بعض الدول الإفريقية تستفيد من هذه القواعد، سواء من خلال العائدات الاقتصادية الناتجة عن تأجير الأراضي والخدمات، أو من خلال التدريب العسكري والدعم اللوجستي. كما أن بعض الأنظمة الحاكمة تجد في الدعم العسكري الأجنبي وسيلة للبقاء في السلطة، في ظل ضعف مؤسسات الدولة وتكرار الأزمات السياسية والأمنية.

يبقى التحدي الأكبر أمام إفريقيا هو كيفية التعامل مع هذا الوجود العسكري من منطلق يحفظ مصالحها ويعزز استقلالها. فالتوازن بين الاستفادة من الدعم الأجنبي وبين الحفاظ على السيادة يتطلب رؤية إفريقية موحدة وإستراتيجيات دفاعية متكاملة تُمكّن القارة من إدارة أمنها بنفسها دون الحاجة الدائمة إلى التدخلات الخارجية.

في النهاية، فإن القواعد العسكرية الأجنبية في إفريقيا تعكس واقعًا معقدًا يتداخل فيه الأمن بالسياسة، والاقتصاد بالمصالح الاستراتيجية. وإذا كانت بعض هذه القواعد تُبرّر كشراكة أمنية، فإن الكثير منها يشير إلى شكل جديد من الهيمنة، مما يستدعي من الدول الإفريقية مراجعة خياراتها الأمنية والعمل على تعزيز وحدتها وقدرتها الذاتية في مواجهة التحديات.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض