قمة الغذاء في أديس أبابا: الجوع في قلب الجدل العالمي ومساعٍ لإصلاح النظام الغذائي

تحرير: وداد وهبي

في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اجتمع زعماء العالم وممثلو المنظمات الدولية في القمة الثانية لأنظمة الغذاء، في لحظة فارقة تعكس حجم التحديات المتفاقمة في ملف الأمن الغذائي العالمي. كانت مراسم الاستقبال الرسمي للقادة في مطار بولي لافتة وتنذر بأهمية الحدث الذي تصدر أجندات التنمية في ظل أزمات متلاحقة تهدد حياة ملايين البشر. وجاءت القمة التي تشارك في استضافتها كل من إثيوبيا وإيطاليا، في توقيت حرج، حيث تتزايد مؤشرات الجوع وسوء التغذية على خلفية الحروب، وتغير المناخ، واضطرابات الأسواق.

وفي كلمة افتراضية أثارت اهتمام الحاضرين ، ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، باستخدام الجوع كسلاح، في إشارة ضمنية إلى الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة، مشيرا إلى أن النزاعات المسلحة، سواء في غزة أو السودان، تساهم في تفاقم المعاناة الإنسانية وتعطل مسارات التنمية والاستقرار. ودعا إلى تعزيز الاستثمارات الزراعية وتوفير التمويل الكافي لبرامج الأمن الغذائي، مؤكدا أن القضاء على الجوع يتطلب حلولا جذرية لا مجرد استجابات ظرفية.

ومن جهتها، دعت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية، معتبرة أن استمرار الانتهاكات ضد المدنيين، خاصة في المناطق المنكوبة، يمثل خرقا صارخا للقانون الدولي ويعيق الجهود الرامية إلى إعادة التوازن في أنظمة الغذاء العالمية. وشددت على أن عودة المهجرين وتمكين المجتمعات المحلية هما مفتاح التحول المنشود.

ووفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن ما يقرب من 733 مليون شخص يعانون حالياً من الجوع، أي ما يعادل واحدا من كل أحد عشر إنسانا على هذا الكوكب، في وقت يواجه فيه أكثر من مليار شخص الفقر المدقع، خاصة في المناطق الريفية التي تمثل البؤر الأشد هشاشة. وتعد غزة، حسب تقارير الفاو، من بين أسوأ مناطق العالم من حيث مستوى انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلها نموذجا كارثيا يلخص فشل النظام الدولي في الاستجابة لأزمات الغذاء المتفاقمة.

وفي كلمتها أمام القمة، اعتبرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني أن أفريقيا يجب أن تتحول من ساحة متلقية للمساعدات إلى شريك فاعل في بناء منظومات غذائية عادلة. ولفتت إلى أن الغذاء لم يعد مجرد قضية إنسانية، بل أصبح ركيزة في السياسات الاقتصادية والاستراتيجية، لا سيما في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم العالمية، مشيرة إلى أن شخصا من بين كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع، مما يحتم تحركا دوليا عاجلا لتعزيز السيادة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وشدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال الجلسة الافتتاحية، على ضرورة تحويل هذه القمة إلى منصة لانطلاقة حقيقية في إصلاح النظام الغذائي العالمي. وطرح رؤية تقوم على تدريب الأجيال الجديدة، ومحاربة الأمية، وتعزيز سلاسل التوريد الزراعي، فضلا عن دعم الاقتصاد المتنوع والمبني على الاكتفاء المحلي. ولفت إلى مبادرة “سلة الغذاء الإثيوبية” كإطار عمل محلي يعكس قدرة بلاده على البناء وسط التحديات.

وقد أجمعت الوفود الدولية المشاركة  على أن التغير المناخي والاضطرابات الجيوسياسية والانكماش الاقتصادي العالمي، باتت عوامل مركبة تهدد بنسف ما تبقى من ركائز الأمن الغذائي في العالم. وشدد المتحدثون على أهمية المزارعين بوصفهم حجر الزاوية في أي استراتيجية تنموية حقيقية، داعين إلى تمكينهم من الموارد والتقنيات والمعرفة.

 وفي هذا الصدد استثمرت إثيوبيا القمة لعرض ما تسميه “الإرث الأخضر”، معلنة عن زراعة أكثر من 40 مليار شتلة، وإنجاز تحول بارز في إنتاج القمح منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، ما ساعدها في تقليص اعتمادها على الواردات وتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي. تلك الإنجازات تضع إثيوبيا في طليعة الدول الأفريقية الساعية لتحويل الأزمات إلى فرص تنموية، وترسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون جنوب–جنوب في مجال الزراعة والغذاء.

وتعتبر الرسالة الأوضح التي خرج بها الحاضرون من قاعة القمة هي أن معالجة الجوع لم تعد مسألة تبرعات أو برامج إغاثية مؤقتة، بل أصبحت رهينة بإرادة سياسية جماعية لبناء نظام عالمي عادل ومستدام، يعيد الاعتبار للإنسان كقيمة عليا، بعيدا عن حسابات الحرب والسيطرة. وإذا لم تترجم هذه الإرادة إلى فعل ملموس، فإن قوافل الجياع ستواصل تدفقها في صمت قاتل، وسيضاف الى تاريخ البشرية فصل جديد من الخذلان.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض