أسد الأطلس والأسد الإفريقي: أسدان من قارة واحدة… واختلاف يصنعه الجبل والسافانا

تحرير: أفريكا آي

بين جبال الأطلس المكسوة بالأرز في شمال إفريقيا، وسهول السافانا المترامية جنوب الصحراء، عاش نوعان من الأسود ينتميان لنفس الفصيلة، لكن لكل منهما ملامحه الفريدة وسيرته الخاصة. إنهما أسد الأطلس والأسد الإفريقي. وبينما لا يزال الثاني يجوب بعض المحميات، أصبح الأول طيفًا من الماضي، لا يُرى إلا في الأسر، ورمزًا مهددًا بالاندثار.

لبدة كثيفة… وتاريخ ملكي

أسد الأطلس، المعروف أيضًا بالأسد البربري، يتميز بلبدة كثيفة سوداء تمتد من الرأس حتى أسفل البطن، في مشهد يوحي بالقوة والرهبة. وقد أظهرته الرسومات التاريخية والنقوش الرومانية كأيقونة للقوة، إذ استُخدم في حلبات المصارعة في الكولوسيوم. أما الأسد الإفريقي، الأكثر شهرة اليوم، فيمتلك لبدة أقل كثافة، وقد تختلف درجة ظهورها باختلاف الحرارة والبيئة.

بيئة تصنع الفارق

البيئة هي ما صنع الفوارق الكبرى بين هذين الأسدين. فبينما عاش أسد الأطلس في بيئة جبلية باردة نسبيًا، حيث الغابات الرطبة والتضاريس الوعرة في المغرب والجزائر، يعيش الأسد الإفريقي في مناطق حارة ومفتوحة مثل السافانا العشبية، في دول مثل كينيا وتنزانيا وبوتسوانا.

منقرض في البرية

اختفى أسد الأطلس من الحياة البرية منذ أربعينيات القرن الماضي، بسبب الصيد الجائر وفقدان الموائل. ولا يُعتقد أن هناك أي أفراد منه في الطبيعة اليوم. ومع ذلك، تحتفظ بعض حدائق الحيوان المغربية والأوروبية بعينات يعتقد أنها تنحدر منه، في محاولة للحفاظ على السلالة.

الفارق في السلوك والحجم

أسد الأطلس يُعد من أضخم أنواع الأسود، وقد يصل وزنه إلى 250 كيلوغرامًا، مقابل 180–200 كيلوغرام للأسد الإفريقي. كما يُعتقد أن سلوكه كان أكثر انعزالًا، بخلاف الأسد الإفريقي الذي يعيش في مجموعات منظمة تُعرف بالزُمَر، تتعاون في الصيد وتربية الصغار.

رمزية تتجاوز البيئة

لم يكن أسد الأطلس مجرد حيوان بري، بل حمل رمزية سياسية وثقافية. فهو الأسد الذي يظهر على الشعار الوطني المغربي، رمزًا للقوة والسيادة. ويقال إن بعض الملوك المغاربة احتفظوا به في قصورهم، وكان يُعد هدية ملكية نادرة.

جهود إعادة الإحياء

تسعى مؤسسات مثل حديقة الحيوانات الوطنية بالرباط، بالتعاون مع باحثين أوروبيين، إلى الحفاظ على نسل أسد الأطلس في الأسر، وربما التمهيد مستقبلاً لإعادة إدخاله إلى بيئته الطبيعية، في حال توفر الظروف البيئية والوراثية المناسبة.

تهديد مشترك

رغم بقاء الأسد الإفريقي في البرية، إلا أنه مهدد أيضًا بسبب تراجع أعداده نتيجة التوسع العمراني، الصيد غير القانوني، وتغير المناخ. وتقدر بعض التقارير أن عدد الأسود الإفريقية انخفض بأكثر من 40% خلال العقود الثلاثة الماضية.

إرث يستحق الحماية

في النهاية، يقدّم أسد الأطلس والأسد الإفريقي مثالًا بيئيًا بليغًا على كيف تؤثر الجغرافيا والمناخ والإنسان في حياة الكائنات. أحدهما يعيش معزولًا في الأسر، والآخر يصارع من أجل البقاء في الطبيعة. وكلاهما يستحق أن يُصان، لا لأجل التوازن البيئي فحسب، بل لأجل التاريخ والرمز والمستقبل.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض