من الدار البيضاء إلى لاغوس: كيف غيرت الفرق الموسيقية وجه القارة

تحرير: صفاء فتحي

أعادت الفرق الموسيقية في إفريقيا تشكيل الملامح الثقافية للمدن الكبرى، وأسهمت في إعادة تعريف الهوية الحضرية لعدد من العواصم، من شمال القارة إلى جنوبها. تجاوز تأثير هذه المجموعات حدود الترفيه، ليحدث تحولا في الوعي الجمعي، ويؤسس لمساحات فنية جديدة باتت تعكس نبض الشارع وتحولاته الاجتماعية.

انطلقت موجة التغيير الموسيقي من مدن مثل الدار البيضاء التي احتضنت تجارب شبابية مزجت بين الإيقاعات المحلية والأنماط العالمية، ما أفرز مشهدا موسيقيا متعدد المشارب يعكس التباينات الثقافية داخل المجتمع المغربي. لم تكن هذه المبادرات مجرد تقليد، بل جسدت رغبة حقيقية في التعبير عن الذات، وبناء سرديات بديلة خارج الأطر الرسمية للمؤسسات الثقافية. وبرزت في هذا السياق مجموعات مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة، التي استخدمت التراث الشعبي كوسيلة للتجديد الموسيقي، وربطت بين الآلات التقليدية وأساليب الأداء الحديثة، ما جعلها مرآة للواقع الاجتماعي ومصدر إلهام لعدة أجيال.

امتد الزخم نحو مدن غرب إفريقيا، حيث ساهمت لاغوس في ترسيخ حضور موسيقي مؤثر، عبر فرق مثل “فيلا كوتي” وموجة الأفروبيت التي ارتبطت بتجارب يومية وقضايا اجتماعية عميقة. جاءت هذه الإبداعات لتفرض موسيقى جديدة تنتمي للشارع وتتناول موضوعات قريبة من واقع الشباب، فخلقت جمهورا محليا واسعا وامتدت إلى مستمعين في أوروبا والأمريكتين.

تداخلت الإيقاعات مع الحركات البصرية والفنية الأخرى، فصارت الحفلات منصات متعددة الأبعاد تجمع بين الصوت، والصورة، والتعبير الجسدي. في كينشاسا، على سبيل المثال، انتشرت فرق تدمج بين الموسيقى والرقص المعاصر، واستثمرت الفضاءات العامة لتقديم عروض حية تخلق تفاعلا مباشرا مع الجمهور. تحول الشارع إلى مسرح مفتوح يعكس دينامية مجتمعية متجددة.

ساهم الانتشار الواسع للإنترنت والهواتف الذكية في تسريع وتيرة التبادل الثقافي داخل القارة، . أتاح هذا التحول بروز مشهد موسيقي أكثر حرية، يتنقل بسهولة بين المنصات الرقمية ويجد له جمهورا عابرا للحدود.

لم يعد دور الفرق الموسيقية يقتصر على تقديم عروض فنية، بل باتت فاعلا في النقاشات العامة حول قضايا الشباب، التعليم، البطالة، والهوية. تمكنت بعض المجموعات من تنظيم مهرجانات محلية أصبحت فضاءات للقاء والتبادل، ونجحت في استقطاب فرق من دول إفريقية أخرى، ما ساهم في بناء شبكات تعاون ثقافي خارج القنوات الرسمية.

أفرز هذا التحول الفني مشهدا إفريقيا متجددا، لا يستنسخ النماذج الغربية، بل يبتكر مساراته الخاصة انطلاقا من بيئته المحلية. رسمت الفرق الموسيقية ملامح جديدة للمدينة الإفريقية، وخلقت نوعا من الازدهار الثقافي الذاتي، قائما على المبادرة الفردية والجماعية، ومفتوحا على العالم دون أن يفقد جذوره.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض