إريتريا: التوازن بين العزلة الإقليمية والدور الجيوسياسي في القرن الأفريقي

بقلم: صفاء فتحي

تعتمد إريتريا نهجا خارجيا قائما على الابتعاد عن الانخراط في التحالفات الإقليمية التقليدية، ما منحها هامشا أوسع للحفاظ على استقلالية قراراتها تجاه قضايا منطقة القرن الأفريقي. وقد أسهم هذا التوجه في خلق نوع من العزلة على مستوى المؤسسات الإقليمية، غير أنه مكنها من تبني مواقف مرنة في التعامل مع ملفات معقدة، من بينها النزاعات الحدودية والعلاقات الثنائية مع شركاء دوليين.

غياب إريتريا عن منظمة “إيغاد” قلص من دورها المباشر في آليات الوساطة الإقليمية، دون أن يقصيها من المشهد العام الذي يحدد ملامح الأمن والاستقرار في المنطقة. وتستمد البلاد قدرا من التأثير من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، حيث تشرف على ممرات بحرية حيوية في البحر الأحمر وتجاور بؤر توتر إقليمي، ما يجعلها محل اهتمام متجدد من قبل عدد من القوى الدولية المعنية بموازين القوة في المنطقة.

وفي الوقت الذي تتحفظ فيه إريتريا عن الانخراط في تكتلات متعددة الأطراف، تعكس تحركاتها الدبلوماسية مقاربة حذرة تسعى من خلالها إلى تحقيق توازن بين حماية القرار السيادي والانفتاح الانتقائي على الفرص المتاحة. ويتجلى هذا التوجه في إدارتها لعلاقات ما بعد السلام مع إثيوبيا، وكذلك في تعاطيها مع الأزمة السودانية من خلال آليات ثنائية بديلة عن الأطر الجماعية التقليدية.

تظهر السياسة الخارجية الإريترية ميلا إلى البراغماتية في مقابل الالتزام المؤسسي، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة هذا النهج على الصمود في وجه التحولات المتسارعة التي يعرفها القرن الأفريقي. ففي ظل تزايد الحاجة إلى تعاون إقليمي لمواجهة تحديات كبرى، من الهجرة غير النظامية إلى التغيرات المناخية، تبدو هذه العزلة المدروسة مزدوجة الأثر: قد تمنح البلاد مرونة في اتخاذ القرار، لكنها قد تحد أيضا من فاعليتها في المساهمة بصياغة التوجهات الإقليمية المستقبلية.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض