تاريخ العلاقات بين الهند وإفريقيا: مسار طويل من التبادل والتعاون

تحرير: أفريكا آي

تمتد العلاقات بين الهند وإفريقيا عبر قرون طويلة، جمعت بين التجارة والثقافة والهجرات البشرية، وشكّلت جسورًا متينة بين القارتين. تعود بدايات هذا الارتباط إلى العصور القديمة، حيث كانت السفن الهندية تصل إلى سواحل شرق إفريقيا، جالبة معها التوابل والقطن والحرف اليدوية، فيما كانت تعود محمّلة بالعاج والذهب ومنتجات إفريقية متنوعة.

في العصور الوسطى، تعززت هذه الروابط من خلال شبكات التجارة في المحيط الهندي، حيث لعب التجّار الهنود دورًا حيويًا في تنشيط الأسواق الإفريقية خاصة في موانئ مثل ممباسا وزنجبار وموزمبيق. وأسهم هؤلاء التجار في نشوء مجتمعات هندية صغيرة استوطنت الساحل الشرقي لإفريقيا، وامتزجت ثقافيًا مع السكان المحليين.

مع بداية الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر، شهدت العلاقات الهندية الإفريقية تحولًا جديدًا، حيث تم جلب مئات الآلاف من العمال الهنود إلى إفريقيا للعمل في بناء السكك الحديدية والمزارع، لاسيما في دول مثل كينيا وأوغندا وجنوب إفريقيا. وأسهم هؤلاء في بناء بنية تحتية حديثة وأسّسوا مجتمعات هندية مزدهرة ما زالت حاضرة حتى اليوم.

وبعد حصول الهند ودول إفريقيا على استقلالها في منتصف القرن العشرين، تقاربت الرؤى السياسية بين الجانبين، إذ تبنّى كلٌّ منهما مواقف مؤيدة لحركات التحرر الوطني ومناهضة الاستعمار والتمييز العنصري. وقد تجسد هذا التعاون في مؤتمرات حركة عدم الانحياز، حيث لعب قادة مثل جواهر لال نهرو ونكروما وعبد الناصر دورًا بارزًا.

اقتصاديًا، شهدت العقود الأخيرة تعزيز التعاون الهندي الإفريقي، خاصة في مجالات الطاقة، الزراعة، وتكنولوجيا المعلومات. وأطلقت الهند عدة مبادرات لدعم التنمية في إفريقيا، منها قروض ميسّرة، ومشروعات تعليمية وصحية، فضلًا عن استضافة قمم الهند–إفريقيا لتعزيز الشراكة.

أما على المستوى الثقافي، فتستمر الروابط العميقة بين الشعبين، حيث تشهد القارة الإفريقية مهرجانات سينمائية هندية، وتلقى الموسيقى والرقصات الهندية رواجًا واسعًا، بينما تتأثر بعض المأكولات الإفريقية بالتوابل والوصفات الهندية التي حملها المهاجرون قبل قرون.

تاريخ العلاقات بين الهند وإفريقيا إذن، ليس مجرّد صفحات سياسية أو اقتصادية، بل هو إرث مشترك صنعته التجارة والهجرة والثقافة، ولا يزال يتطور ليؤسس لشراكة أعمق في القرن الحادي والعشرين، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.