الانقلابات في إفريقيا: تاريخ متقلب بين الطموحات العسكرية والتحولات السياسية

تحرير: أفريكا آي

لطالما شكّلت الانقلابات العسكرية أحد أبرز معالم الحياة السياسية في القارة الإفريقية منذ حصول دولها على الاستقلال في منتصف القرن العشرين. فمنذ أول انقلاب في مصر سنة 1952 بقيادة “الضباط الأحرار”، انتقلت عدوى الانقلابات إلى بلدان إفريقية عدة، لتصبح جزءًا من آلية إنتاج السلطة وإعادة تشكيل المشهد السياسي في القارة.

في ستينيات القرن الماضي، ومع انحسار الاستعمار الأوروبي، دخلت إفريقيا مرحلة من الفوضى السياسية، حيث لم تكن الدول الجديدة قد استقرت مؤسساتها بعد، وكانت تعاني من هشاشة البُنى الحزبية، مما سهّل تدخل الجيوش في الحكم. نيجيريا وغانا والكونغو كانت من أوائل الدول التي شهدت انقلابات متتالية، غالبًا ما رُوّج لها بوصفها “تصحيحات للمسار الوطني”، لكنها انتهت إلى أنظمة استبدادية لا تقل سوءًا عن الأنظمة المدنية التي أطاحت بها.

وفي العقود التالية، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، أصبحت إفريقيا ساحة صراع بين القوى الكبرى، حيث دعمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أطرافًا مختلفة من الانقلابات بحسب مصالحهما. وكانت الانقلابات تُستخدم أحيانًا كأداة لتغيير الولاءات الإقليمية، مما عرّض الدول الإفريقية لمزيد من التبعية والانقسام.

تراجع نسبي في موجة الانقلابات سُجل خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، بفعل موجة التحول الديمقراطي التي اجتاحت بعض مناطق القارة، ونتيجة لضغوط دولية وإقليمية، بالإضافة إلى تطور نسبي في الوعي السياسي. غير أن هذا التراجع لم يكن شاملاً ولا مستقرًا، حيث ظلت بعض الجيوش تُحافظ على طموحاتها السياسية، خاصة في دول الساحل الإفريقي.

عادت الانقلابات لتتصدر المشهد مجددًا في العقد الأخير، مدفوعة بعوامل متعددة، منها فشل الحكومات المنتخبة في الاستجابة لتحديات الأمن والتنمية، وتصاعد نفوذ الجماعات المسلحة، وانتشار الفساد، وتزايد الإحباط الشعبي من النخب السياسية. من أبرز هذه الانقلابات تلك التي شهدتها مالي في 2020 و2021، وغينيا في 2021، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر في 2023.

وقد كشفت هذه الانقلابات عن ملامح جديدة للمشهد السياسي الإفريقي، إذ لم تعد دوافع الانقلابيين أيديولوجية كما في السابق، بل أصبحت تُبرّر غالبًا تحت شعارات الأمن ومحاربة الإرهاب وإنقاذ الدولة من الانهيار. كما يلاحظ تحول في موقف بعض الجماهير، التي باتت أحيانًا ترحب بالانقلاب على أمل التغيير، وهو ما يعكس هشاشة الثقة بالأنظمة الديمقراطية الوليدة.

في المحصلة، تبرز الانقلابات في إفريقيا كعرضٍ لأزمة أعمق تتعلق بفشل بناء الدولة ومأسسة الحكم، وتراجع دور الأحزاب، واستمرار التبعية الاقتصادية والسياسية للخارج. وبينما تُدين المنظمات الإقليمية والدولية الانقلابات من حيث المبدأ، فإن معالجة الأسباب البنيوية التي تؤدي إليها تبقى التحدي الأكبر أمام القارة الإفريقية إذا أرادت الخروج من دوامة العنف السياسي وبناء مسارات ديمقراطية مستقرة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض