واقع العملات في إفريقيا: تبعية نقدية وطموح نحو الاستقلال الاقتصادي
تحرير: أفريكا آي
تواجه القارة الإفريقية تحديات متعددة في إدارة عملاتها المحلية، إذ ترتبط معظم العملات الإفريقية بتاريخ استعماري ثقيل، وأنظمة نقدية هشة، واقتصادات تعتمد بدرجة كبيرة على التصدير واستيراد السلع الأساسية، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. وبينما تسعى بعض الدول لتقوية عملاتها، لا تزال كثير من بلدان القارة تعاني من ضعف الاستقرار النقدي وارتفاع نسب التضخم.
يرتبط عدد من العملات الإفريقية مباشرة بعملات أجنبية، خاصة اليورو والدولار الأمريكي، عبر أنظمة صرف مثبتة أو أنظمة ترتبط بصناديق استقرار نقدية. من أبرز الأمثلة على ذلك، الفرنك الإفريقي المستخدم في 14 دولة بغرب ووسط إفريقيا، والذي ما زال حتى اليوم مرتبطًا باليورو ويُدار ضمن ترتيبات مع الخزانة الفرنسية، ما يثير جدلاً واسعًا بشأن السيادة الاقتصادية.
يُعد التضخم أحد أبرز المشكلات النقدية في عدد من الدول الإفريقية، مثل زيمبابوي والسودان ونيجيريا، حيث فقدت العملة المحلية جزءاً كبيراً من قيمتها بسبب السياسات الاقتصادية غير المستقرة، والعجز المالي، والفساد، ما أدى إلى لجوء المواطنين إلى الدولار أو اليورو في تعاملاتهم اليومية، في ظاهرة تعرف بـ”الدولرة”.
في المقابل، تحاول بعض الدول الإفريقية تعزيز استقرار عملاتها من خلال إصلاحات مؤسساتية وتحسين إدارة البنوك المركزية، كما هو الحال في رواندا وكينيا وغانا. وقد ساعدت هذه الإصلاحات في جذب الاستثمارات وتقوية الثقة بالعملة الوطنية، ولو نسبياً، مقارنةً بدول تعاني من أزمات متكررة في ميزان المدفوعات.
تلوح في الأفق مشاريع طموحة لتوحيد العملة على مستوى الأقاليم الإفريقية، أبرزها مشروع “إيكو” الذي كان من المقرر أن تحل محل الفرنك الإفريقي في غرب إفريقيا، كعملة موحدة للدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS). لكن المشروع واجه عقبات سياسية واقتصادية عطلت تنفيذه مرارًا، أبرزها الخلاف بين الدول الناطقة بالفرنسية وتلك الناطقة بالإنجليزية حول شروط الإصلاح النقدي.
في شمال إفريقيا، تختلف الديناميات النقدية، حيث تعتمد دول مثل المغرب وتونس على أنظمة صرف مرنة نسبياً، بينما تلتزم الجزائر بسياسات أكثر تحفظًا. وتُحاول هذه الدول تحقيق توازن بين الحفاظ على قيمة العملة وتفادي الضغوط الاجتماعية الناتجة عن خفض الدعم وارتفاع الأسعار.
تتأثر قيمة العملات الإفريقية أيضاً بتدفقات التحويلات المالية من الخارج، وأسعار المواد الخام، والسياسات المالية الحكومية. ففي بلدان تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط أو الذهب أو الكاكاو، تتراجع قيمة العملة مباشرة مع أي انخفاض في الأسعار العالمية لهذه السلع، ما يُبرز هشاشة النظام النقدي.
مع تنامي الاقتصاد الرقمي، برزت العملات الرقمية كحلول ممكنة لتجاوز بعض المشاكل التقليدية، حيث بادرت دول مثل نيجيريا إلى إطلاق عملات رقمية رسمية مثل “إي-نيرة”، لتقليص تكاليف التحويل المالي وتحقيق الشمول المالي. ومع ذلك، لا تزال هذه المبادرات في مراحلها الأولى وتواجه تحديات تتعلق بالبنية التحتية والثقة الشعبية.
في المجمل، يُظهر واقع العملات في إفريقيا صورة معقدة تجمع بين تحديات الإرث الاستعماري والاختلالات الاقتصادية، ومساعي متواصلة لتحقيق الاستقلال النقدي. وبينما تحقق بعض الدول تقدماً ملموساً في هذا المجال، لا تزال الحاجة قائمة إلى إصلاحات هيكلية ومؤسساتية عميقة لتحقيق استقرار حقيقي للعملات يعكس طموحات التنمية في القارة.
-
ثروة الذهب في إفريقيا: كنوز تحت رمال القارة السمراء
تحرير: أفريكا آيتحتل إفريقيا موقعًا استراتيجيًا في خريطة إنتاج الذهب العالمية، فهي تضم مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بهذا المعدن... إقتصاد -
من النفط إلى الكاكاو… كيف تحكمت الشركات العالمية في شرايين الاقتصاد الأفريقي؟
تحرير: وداد وهبيفي قلب المشهد الاقتصادي الأفريقي، تتربع شركات السلع العالمية على عرش قطاعات حيوية، بعد أن تمدد نفوذها من... إقتصاد -
النيجر تؤمم منجم الذهب الصناعي الوحيد وتتهم شركة أسترالية بـ”انتهاكات جسيمة”
تحرير: محمد المكوديأعلنت السلطات في النيجر، اليوم السبت، تأميم منجم الذهب الصناعي الوحيد في البلاد، الواقع على ضفاف نهر النيجر،... إقتصاد -
“ميرسك” توقف الشحن المباشر بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة وسط توترات متصاعدة
تحرير: صفاء فتحيأعلنت شركة ميرسك الدانماركية، إحدى أكبر شركات الشحن البحري في العالم، عن قرار وقف رحلاتها المباشرة بين جنوب... إقتصاد -
إثيوبيا تحقق طفرة في إيرادات الطاقة عبر تعدين البيتكوين.. والجزائر تفرض حظرًا شاملًا للعملات المشفرة
تحرير: أفريكا آيسجّلت إثيوبيا قفزة لافتة في إيراداتها الحكومية بعد استثمار فائض الطاقة الكهرومائية في مشاريع تعدين البيتكوين، حيث أعلنت... إقتصاد -
كيب تاون: دينامية اقتصادية مستدامة تعزز مكانة جنوب إفريقيا الإقليمية
تحرير: صفاء فتحيتتصدر كيب تاون المشهد الاقتصادي في جنوب إفريقيا بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وتنوع قطاعاتها الإنتاجية، حيث تجمع بين... إقتصاد