كرة القدم والسياسة في إفريقيا: سؤال التفاعل وحدود التداخل

بقلم: صفاء فتحي

ارتبطت كرة القدم في إفريقيا، منذ عقود، بتحولات اجتماعية وثقافية جعلت منها أكثر من مجرد رياضة تنافسية. وبفعل امتدادها الجماهيري، أضحت مجالا تتقاطع فيه الوظائف الرمزية والدلالات السياسية، في علاقة لا يمكن اختزالها في نمط واحد، ولا إخضاعها لتفسير وحيد، بالنظر إلى اختلاف السياقات المحلية وتباين التوجهات المؤسساتية.

اعتمدت العديد من الدول الإفريقية سياسات عمومية تدرج كرة القدم ضمن أولوياتها التنموية، من خلال الاستثمار في البنيات التحتية، توفير موارد لدعم الفرق الوطنية، وتأهيل الأطر التقنية. يقرأ هذا التوجه باعتباره جزء من رؤية أوسع لتقوية الإدماج المجتمعي، دعم الفئات الشابة، وتعزيز الصورة الإيجابية على الصعيدين الوطني والدولي. وفي بعض الحالات، ترافق هذا الاهتمام المؤسسي مع انخراط مباشر في تدبير الشأن الرياضي، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار داخل الهيئات المعنية.

تزامن تحقيق نتائج رياضية بارزة أحيانا مع إشارات دعم رسمية، تعبر عن تثمين رمزي لما ينجز داخل الملاعب. وتتنوع مظاهر هذا التفاعل من دولة إلى أخرى، وفقا للأطر القانونية والثقافية، وغالبا ما يستقبل باعتباره مؤشرا على وحدة وجدانية مشتركة، دون أن يغفل النقاش الدائر حول حدود التفاعل بين ما هو رياضي وما هو سياسي.

اتسع هذا التداخل أيضا ليشمل العلاقات بين الدول، من خلال ما يعرف بالدبلوماسية الرياضية. فقد سعت بعض الحكومات إلى تنظيم بطولات قارية أو توقيع اتفاقيات تعاون في المجال الرياضي، مما أتاح فرصا لتقوية الروابط بين الشعوب، وبناء جسور تواصل خارج الأطر الرسمية التقليدية. تعد هذه المبادرات جزء من مسعى أوسع لتوظيف القوة الناعمة في سياقات الشراكة والتعاون.

في المقابل، يواجه اللاعبون والمدربون أحيانا ضغوطات مرتبطة بتوقعات جماهيرية وإعلامية مرتفعة، لاسيما خلال المنافسات القارية والدولية. غالبا ما تتحول نتائج المباريات إلى مواضيع للنقاش العمومي تتجاوز التحليل الرياضي البحت، ما يطرح تساؤلات حول المسؤوليات الملقاة على عاتق الأسماء البارزة في المجال، وحدود التفاعل المشروع مع أدائهم المهني.

تنص القوانين الرياضية في أغلب الدول الإفريقية على مبدأ استقلالية المؤسسات الرياضية عن التدخلات غير التقنية، في احترام للمعايير الدولية ذات الصلة. غير أن التطبيق العملي لهذا المبدأ يبقى مرتبطا بدرجة نضج المنظومات الوطنية، ومدى تطور آليات الحوكمة والشفافية داخل الأجهزة المسؤولة عن تدبير الشأن الرياضي.

إن العلاقة بين السياسة وكرة القدم في إفريقيا تظل علاقة متعددة الأوجه. ليست علاقة تنافر دائم، ولا انسجام مطلق، بل دينامية مركبة تستدعي قراءة هادئة لا تفصل بين الأبعاد الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية. وإذا كانت الرياضة، بحكم طبيعتها، تتفاعل مع محيطها، فإن التحدي الأساسي يتمثل في إيجاد توازن يحفظ استقلالية القرار الرياضي، ويضمن في الآن ذاته استدامة الدعم المؤسسي ضمن قواعد واضحة وشفافة.

في هذا الإطار، يبدو من الضروري تطوير مقاربات تستوعب التداخل دون أن تختزله، وتتيح مجالا للرياضة أن تؤدي أدوارها في فضاء عمومي تعددي، دون أن تتحول إلى أداة للتموقع أو الاستقطاب. فحماية المجال الرياضي لا تعني عزله، وإنما تأطير العلاقة مع الفاعلين العموميين ضمن ضوابط مهنية ومؤسساتية تعزز النزاهة وتكرس الثقة.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض