الاتحاد الإفريقي… حلم قديم وتحديات متجددة

تحرير: وصال حجوط

في رحلة عبر الذاكرة الإفريقية، نتوقف عند لحظة فارقة جسدت الحلم الجماعي لقارة أنهكها الاستعمار وسعت إلى استعادة زمام مصيرها. سنة 1963، وفي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اجتمع 32 قائدًا إفريقيا ليعلنوا ولادة أول تجربة فعلية لتجمع قاري رسمي: منظمة الوحدة الإفريقية.
لم يكن ذلك مجرد لقاء دبلوماسي، بل محطة تاريخية عكست إرادة سياسية مشتركة، في سياق تحولات كبرى شهدتها القارة عقب موجة استقلال واسعة في الخمسينيات والستينيات. سبق التأسيس عدد من المبادرات البارزة، من بينها مؤتمر “الشعوب الإفريقية” في أكرا سنة 1958، الذي أكد أهمية التعاون بين الدول المستقلة وتعزيز حضورها المشترك على الساحة الدولية.

منذ نشأتها، حددت المنظمة أهدافا واضحة، تمثلت في دعم حركات التحرر، الدفاع عن السيادة الوطنية، احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبفضل لجنة التحرير التابعة لها، ساهمت في دعم استقلال عدد من الدول، كما انخرطت في جهود لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وسعت إلى القيام بدور الوسيط في بعض الخلافات الحدودية، في إطار آليات إفريقية للوساطة والتحكيم بعيدة عن التدخلات الخارجية.

ورغم طموحاتها الكبيرة، واجهت المنظمة تحديات مرتبطة بآليات اتخاذ القرار، إذ كان تدخلها في الأزمات مشروطا بتوافق الدول الأعضاء، ما حد أحيانا من فعاليتها العملية. كما أن غياب سلطة تنفيذية ملزمة جعل إنجازاتها أكثر رمزية، فيما تعالت الدعوات مع مرور الوقت لتحديث الإطار القاري وجعله أكثر قدرة على مواكبة التحولات الدولية.
بحلول نهاية التسعينيات، اتجهت الأنظار نحو إنشاء كيان جديد أكثر اندماجا، فكان إعلان سرت في ليبيا سنة 1999، الذي مهد الطريق لتأسيس الاتحاد الإفريقي. اعتمد الميثاق التأسيسي في قمة لومي سنة 2000، ودخل الاتحاد حيز التنفيذ رسميا في يوليو 2002 خلال قمة ديربان بجنوب إفريقيا. جاء الاتحاد برؤية موسعة تشمل إنشاء بنك مركزي، محكمة عدل، برلمان قاري، ومجلس للسلم والأمن، إضافة إلى مفوضية لتنسيق جهود التنمية والاندماج بين الدول الأعضاء.

ضمن رؤيته طويلة المدى، أطلق الاتحاد مشروع “أجندة 2063” الهادف إلى تحويل إفريقيا إلى قوة اقتصادية مؤثرة وفاعل استراتيجي على المستوى العالمي. وتضع هذه الأجندة أولويات مثل تطوير البنية التحتية، تعزيز التعليم والصحة، وتحفيز الاستثمار والتكامل الاقتصادي. ومع ذلك، تظل وتيرة تنفيذ هذه الطموحات مرتبطة بمدى التزام الدول الأعضاء وتعاونها في تفعيل قرارات الاتحاد.
ورغم التباين في مستويات التقدم بين مختلف التجمعات الاقتصادية الإقليمية، أتاح الاتحاد الإفريقي إطارا للتنسيق وجمع المواقف في المحافل الدولية، وأطلق مبادرات للسلام والتكامل، بما يعكس سعي القارة إلى تعزيز وحدتها ودورها العالمي.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض