ثروة الذهب في إفريقيا: كنوز تحت رمال القارة السمراء

تحرير: أفريكا آي

تحتل إفريقيا موقعًا استراتيجيًا في خريطة إنتاج الذهب العالمية، فهي تضم مساحات شاسعة من الأراضي الغنية بهذا المعدن النفيس، الذي لطالما شكّل أساسًا للثروات والحضارات. فمنذ العصور القديمة، برزت القارة كمصدر للذهب الذي جذب التجار والمستعمرين على حد سواء، بدءًا من تجارة الذهب عبر الصحراء الكبرى وصولًا إلى حمى الذهب التي اجتاحت جنوب إفريقيا في القرن التاسع عشر.

تعد غانا، ومالي، وبوركينا فاسو، والسودان، وجنوب إفريقيا من أبرز الدول المنتجة للذهب حاليًا، ولكل منها قصة مختلفة مع هذا المورد. فغانا، التي كانت تُعرف قديمًا باسم “ساحل الذهب”، استعادت مكانتها مؤخرًا كأكبر منتج إفريقي، في حين تحافظ مالي على موقعها كأحد الموردين الرئيسيين بفضل مشاريع التعدين الحديثة. أما السودان فقد شهد طفرة في الإنتاج خلال العقد الأخير، ليصبح ضمن أكبر عشر دول منتجة عالميًا.

تاريخيًا، كانت جنوب إفريقيا المتربع الأول على عرش الإنتاج، إذ شكلت مناجم ويتووترسراند أسطورة في عالم التعدين. ورغم تراجع إنتاجها بسبب استنزاف بعض المناجم القديمة وارتفاع تكاليف الاستخراج، لا تزال تحتفظ بخبرة فنية وبنية تحتية تجعلها لاعبًا مهمًا في السوق العالمية.

القيمة الاقتصادية للذهب في إفريقيا لا تقتصر على الإيرادات المالية، بل تمتد إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص العمل. ففي بعض الدول مثل بوركينا فاسو، يُعتبر قطاع الذهب أكبر مصدر للعملات الأجنبية، ويعتمد عليه الاقتصاد بشكل مباشر في تمويل المشاريع العامة ودعم الميزان التجاري.

لكن وراء هذه الصورة اللامعة تكمن تحديات كبيرة، أبرزها التعدين غير الرسمي أو ما يعرف بـ”التعدين الأهلي”، الذي يتم خارج الأطر القانونية. هذا النشاط، رغم مساهمته في توفير دخل سريع لآلاف الأسر، يتسبب في خسائر بيئية جسيمة، واستخدام مواد سامة مثل الزئبق، فضلًا عن فقدان الدولة لجزء كبير من عائداتها عبر التهريب.

كما تشكل النزاعات المسلحة عاملًا مهددًا لاستقرار إنتاج الذهب، حيث تُستخدم عائداته في بعض المناطق لتمويل جماعات مسلحة، مما يعقد الأوضاع الأمنية ويضعف سيطرة الحكومات على ثرواتها. وقد دعت منظمات دولية إلى تشديد الرقابة على سلاسل توريد الذهب لمنع “الذهب الدموي” من دخول الأسواق العالمية.

ومع الارتفاع المستمر في أسعار الذهب عالميًا، تزداد شهية الشركات الدولية للاستثمار في المناجم الإفريقية، ما يفتح الباب أمام فرص اقتصادية جديدة. غير أن هذه الفرص قد تتحول إلى أزمات إذا لم ترافقها سياسات رشيدة تضمن الشفافية وتوزيع العائدات بشكل عادل بين الدولة والمجتمعات المحلية.

في المستقبل، يمكن لإفريقيا أن تحوّل ثروة الذهب من مجرد مصدر دخل خام إلى قاعدة للتنمية الصناعية، عبر إنشاء مصافي ومعامل لتكرير الذهب محليًا، وإطلاق صناعات الحُلي والمجوهرات ذات القيمة المضافة. بهذه الخطوات، تصبح الثروة الذهبية أداة لتعزيز التنمية المستدامة، بدلًا من أن تبقى مجرد كنز مدفون تحت الرمال.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض