من النفط إلى الكاكاو… كيف تحكمت الشركات العالمية في شرايين الاقتصاد الأفريقي؟

تحرير: وداد وهبي

في قلب المشهد الاقتصادي الأفريقي، تتربع شركات السلع العالمية على عرش قطاعات حيوية، بعد أن تمدد نفوذها من حدود التجارة التقليدية إلى عمق تمويل المشاريع الكبرى وإدارة البنية التحتية والتحكم في مسارات التوريد والتصدير. أسماء مثل ترافيغورا وغلينكور وفيتول وأولام وكارجيل لم تعد مجرد لاعبين في سوق النفط أو الكاكاو أو المعادن، بل أصبحت صانعة قواعد اللعبة في القارة. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، ضخت ترافيغورا تمويلا مسبقا قدره 200 مليون دولار لصالح شركة إيفانهو ماينز، التي تستعد لبدء تكرير النحاس في شهر شتنبر القادم، بينما لجأت الغابون إلى غونفور لتأمين صفقة بقيمة 300 مليون دولار للاستحواذ على أصول شركة تولو أويل، في مشهد يعكس اعتمادا متزايدا على هذه القوى الاقتصادية العابرة للقارات.

تعتمد أفريقيا على هذه الكيانات العملاقة لغياب القدرات المحلية الكافية لتنفيذ المشاريع الكبرى أو تمويلها، إذ تتمتع الشركات العالمية برؤوس أموال ضخمة وعلاقات مصرفية قوية وشبكات توزيع تمتد عبر القارات. ويعمل أغلبها وفق نموذج “بيوت التجارة” الذي يربط المنتجين بالمصانع والموزعين، ويضمن انسياب السلع عبر تقديم خدمات النقل والتخزين والفحص، مما يمنحها سيطرة شبه كاملة على سلسلة القيمة.

تواجه عدة من الدول الأفريقية شحا في السيولة، ما يدفعها إلى اللجوء لصفقات التمويل المسبق، حيث تحصل على قروض مقابل التزامها بتسديدها عبر شحنات مستقبلية من الموارد. لكن هذا النموذج، رغم توفيره تمويلا سريعا، قد يثقل كاهل الدول بالديون ويجعلها عرضة للأزمات إذا انخفضت أسعار السلع، كما حدث في الكونغو برازافيل وتشاد خلال العقد الماضي.

ورغم بروز مبادرات محلية تسعى لمنافسة هذا النفوذ، مثل مجموعة الصحراء ومصفاة دانغوتي في نيجيريا، فإن الطريق ما زال طويلا أمام القارة لبناء بدائل قوية. فغياب مؤسسات محلية تتمتع بالخبرة ورأس المال يجعل من الصعب الاستغناء عن التجار العالميين في المدى القريب. وبين الحاجة إلى التمويل والمخاطر المترتبة على فقدان السيطرة على الموارد، يبقى التحدي الأكبر أمام أفريقيا هو إيجاد توازن يحافظ على مصالحها الاقتصادية دون الارتهان الكامل للقوى التجارية الخارجية.