ما بعد قمة مدريد 2025: هل تنجح إسبانيا في تعزيز نفوذها الإفريقي؟

تحرير: صفاء فتحي

انطلقت في السادس من يوليوز 2025، في مدريد، القمة الإسبانية-الإفريقية الثالثة تحت شعار “إسبانيا وإفريقيا: شراكة عالمية ومستدامة وشاملة”، بحضور مئات من صناع القرار ووزراء من مختلف الدول الإفريقية، إلى جانب كبار المسؤولين الإسبان. جسدت هذه القمة رغبة إسبانيا في تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية عبر استراتيجية واضحة تستند إلى خمسة محاور مركزية،لها علاقة بالتعاون الاقتصادي والأمني، التكامل الإقليمي، والتحول المستدام.

تظهر الأرقام الحالية أن التبادل التجاري بين إسبانيا وإفريقيا يسلك منحاه الصحيح، إذ بلغت صادرات إفريقيا إلى إسبانيا 35.7 مليار دولار في 2024، في مقابل 20.7 مليار دولار من الصادرات الإسبانية للقارة، ما يعكس وجود فرصة حقيقية لتعميق العلاقات الاقتصادية.

ينبع هذا التوجه من تاريخ طويل بدأ في مطلع الألفية، حين وضعت مدريد خططا تعاون استراتيجية مع دول إفريقيا، في مقدمتها “Casa África” في جزر الكناري كبوابة للتواصل الاقتصادي والثقافي، معتمدة على تنظيم مؤتمرات وفعاليات أكدت أهمية القارة في لعب دور أساسي في المشهد العالمي. واليوم، تعكس خطة عمل إسبانيا-إفريقيا 2025-2028 استمرارية هذا المسار مع توسيع نطاق المشاريع والتعاون.

في ظل تنافس دولي محتدم، تلعب إسبانيا على أوراق متعددة: تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية، تحقيق الاستفادة من الروابط التاريخية والثقافية، فضلا عن موقعها الجغرافي القريب من شمال إفريقيا الذي يمنحها ميزة تنافسية. كما تؤكد مدريد على أهمية دمج الشباب الإفريقي عبر التعليم، التدريب، وريادة الأعمال، في خطوة تراها ضرورية للتحول الديموغرافي في القارة.

مع ذلك، لا يخلو الطريق من عقبات جدية. التحديات الأمنية في مناطق مثل الساحل والقرن الإفريقي تشكل عائقا واضحا أمام توسع الاستثمارات، بينما المنافسة مع قوى كبرى مثل الصين، فرنسا، والولايات المتحدة تزيد من تعقيد المشهد. كما تعاني دول إفريقية عدة من أزمات ديون خانقة، مما يحد من إمكانيات التمويل ويضع ضغوطا إضافية على الجهود الإسبانية.

النجاح الفعلي لإسبانيا في القارة يعتمد على قدرتها على تحويل الرؤى إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، مدعومة بحوكمة قوية وشفافية تبني الثقة مع الشركاء الأفارقة. الفشل في ذلك قد يحول دون تحقيق النفوذ المرجو ويجعل من القمة مجرد مناسبة رمزية.

من هذا المنطلق، يبرز السؤال المحوري: هل تملك إسبانيا الأدوات والمرونة السياسية والمالية اللازمة لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية؟ الجواب يكمن في قدرتها على التوازن بين الطموحات الاقتصادية والتحديات الأمنية، فضلا عن بناء شراكات تحترم مصالح الجميع. المستقبل يحمل فرصا جمة، لكن الطريق يتطلب استراتيجية مدروسة، إرادة سياسية صلبة، وتعاونا مستداما  يعيد رسم خارطة النفوذ في إفريقيا على المدى المتوسط.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض