الرأسمال النيجيري.. تدبير الثروة والتفاوت

محمد زاوي

بقيت نيجيريا حبيسة الاستغلال البدائي والتقليدي للملكية الزراعية إلى أن استعمرت بريطانيا أراضيها ابتداء من سنة     1861 م. وقبل هذا التاريخ فقد توزعت ملكيتها بين أراض تستغلها القبائل استغلالا بدائيا، وأراض زراعية تمتلكها الممالك الحاكمة مثل “مملكة نوك” و”مملكة إيفي” و”إمارات الهوسا”.. ولم يستطع الاحتلال البرتغالي تفكيك هذا النمط من “المِلكية الخاصة” لدى حكام الممالك أو “المشاعية” لدى القبائل، لأنه بقي حبيس السواحل حيث تنشط تجارة الذهب والرقيق.

أما تاريخ نيجيريا الحديث، قد بدأ قبل استقلالها حيث تم توحيد جميع الممالك والإمارات والقبائل على إيقاع مِلكية الرأسمال البريطاني، ليكون هذا التوحيد (1914) بمثابة اللبنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستتأسس عليها الدولة النيجيرية الحديثة إبان استقلالها عام 1960. لم تكن تحظى نيجيريا قبل الاستعمار البريطاني بوحدة سياسية أو اجتماعية، فلما تحقق شرط الوحدة بتحويل اقتصادي وسياسي واجتماعي قسري، أصبح الشعب النيجيري أمام تحدّيه الأكبر -شأنه في ذلك شأن كافة المستعمرات القديمة- وهو تحدي استرجاع السيادة، لا على التراب فقط، وإنما على كافة المقدرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. فإلى أي حد نجحت نيجيريا الاستقلال في هذا الورش؟

ليست السيادة مسألة مِلكية فحسب، وإنما أيضا مسألة تدبير لهذه المِلكية.. وإذا كانت نيجيريا قد استطاعت تأميم ثرواتها الطاقية من نفط وغاز، فإنها في حاجة إلى تدبير هذه الثروات في إطار استراتيجية عامة لتطوير قدراتها الزراعية والصناعية والخدماتية والمواصلاتية والتكنولوجية.. وذلك في أفق التخفيف من حدة البطالة (4.30 ٪ في 2024) والتضخم (22.22 ٪ في يونيو 2025) والتفاوتات الاجتماعية والمجالية وما ينتج عنها من إرباك للحسابات الأمنية والسياسية، الأمر الذي يحد من قدرات القوة الاقتصادية الأولى في القارة الإفريقية؛ وفي أفق استثمار فرصها الاقتصادية الكبرى من قبيل:

-النمو الديمغرافي (أكثر من 230 مليون نسمة) الذي يوفر سوقا عملاقة للاستهلاك والتبادل، ويضخ في الإنتاج الرأسمالي النيجيري يدا عاملة رخيصة بفعل “المزاحمة على العمل” الخ.

-ما تتوفر عليه نيجيريا من مخزون ضخم للمعادن بمختلف أنواعها: الطاقية والفلزية وغير الفلزية، ما يتيح لها فرصا للتبادل مع الدول والاستفادة من خبراتها (خاصة الصين والهند)، كما يؤهلها لخوض غمار الصناعات الجديدة والطاقات البديلة إذا هي اكتسبت خبرتها.

-وشساعة أراضيها الزراعية (78 في المئة من الأرض)، ما يرشحها لتكون من أهم الدول الزراعية بالقارة، لولا التحديات التي تواجهها على مستوى التقنيات الزراعية وأساليب تنظيم الإنتاج الزراعي وتطويره.

يقتضي تدبير هذه المقدرات أن تستثمرها نيجيريا في عملها الإنتاجي من جهة، وفي استيراد الخبرات والتقنيات الضرورية لتطوير قواها الإنتاجية من جهة أخرى. علاقاتها بالصين تدخل في هذا الإطار، ومن المنتظر أن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية -في إطار منافستها للصين- علاقاتها القديمة بنيجيريا، حيث التركيز على مجالي النفط والغاز فقط. وإذا كانت نيجيريا تنسج علاقات مع دول إفريقية على أساس تبادل المنافع الطاقية (مثل علاقتها بالجزائر)، فإنها مطالبة أيضا بالتعامل والتعاون مع دول إفريقية غير نفطية لكنها تمتلك خبرات جديدة وبديلة  (مثل علاقتها بالمغرب).

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض