من غزة إلى السودان: حين أصبحت المجاعة أكثر أسلحة الحرب فتكا

تحرير: وداد وهبي

لم تعد المجاعة في مناطق النزاع مجرد نتيجة عرضية للحرب، بل تحولت إلى أداة ممنهجة لإخضاع الشعوب وإطالة أمد الصراعات. فمن غزة إلى السودان، يتكرر المشهد المأساوي ذاته،حصار خانق، قوافل إغاثة تحرق، ومدن تتحول إلى مسالخ صامتة بفعل المجاعة.

ففي السودان، الذي كان يعرف يوما بسلة غذاء شرق إفريقيا، تحول النزاع الداخلي إلى أكبر كارثة غذائية في العالم، إذ يعاني أكثر من عشرين مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما تتفاقم المجاعة على نحو غير مسبوق. وذلك منذ اندلاع المواجهات في أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية ، وقد دفع المدنيون الثمن الأكبر من خلال القصف الجوي والهجمات العشوائية وسياسة الأرض المحروقة التي هجرت عشرات الآلاف من مخيم إلى آخر. كما هو الحال في غزة، صار الجوع هنا سلاحا مقصودا لإضعاف السكان.

تشير تقارير المؤسسات الدولية إلى أن السودان يواجه حاليا أسوأ أزمة غذائية في العالم، في ظل اقتصاد مشلول وأكثر من عشرة ملايين نازح يعتمدون بالكامل تقريبا على المساعدات الإنسانية التي تعجز بدورها عن الوصول إلى العديد من المناطق المحاصرة. وفي ظل الحصار المفروض على مدن كالفاشر، عاصمة شمال دارفور، أصبحت الأسعار مرتفعة بنسبة 460% مقارنة بالسوق الوطنية، فيما تضطر عائلات عديدة إلى أكل أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة. وتكشف الهجمات على قوافل المساعدات مثل تلك التي استهدفت شاحنات برنامج الأغذية العالمي واليونيسف في يونيو الماضي وأحرقت حمولتها،بوضوح عن اعتماد المجاعة كأداة ممنهجة للحرب.

ويتجسد هذا الواقع المأساوي أيضا في تفشي سوء التغذية الحاد بين الأطفال، إذ سجل علاج أكثر من أربعين ألف طفل من الهزال الشديد خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 في شمال دارفور وحدها، وهو ضعف الرقم المسجل في العام السابق. ومع استمرار الحصار وغياب الردود الجادة من قادة النزاع، يزداد الوضع قتامة يوما بعد يوم.  وقد حذرت الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش،من خطورة استخدام الجوع كسلاح حرب، مؤكدة أن ما يحدث في السودان ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل جريمة ممنهجة تهدد حياة الملايين وتضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.