القارة السمراء على طاولة البيت الأبيض: هل ينجح القادة الأفارقة في فرض أوراقهم؟

تحرير: وداد وهبي

كشف تقرير لموقع أفريكا ريبورت أن العلاقة بين الولايات المتحدة وأفريقيا تشهد تحولا جذريا في مقاربتها. فبعد عقود كان ينظر فيها إلى القارة من زاوية المساعدات الإنسانية والخطاب الديمقراطي، أصبحت واشنطن اليوم تتعامل مع أفريقيا من منظور مختلف تغشى عليه المصالح أولا، و باتت المعادلة تقوم على سؤال جديد: “ماذا يمكن أن تقدم أفريقيا لأميركا؟”.

يفرض هذا التحول في السياسة الأميركية، خاصة مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على القادة الأفارقة إعادة صياغة أدواتهم الدبلوماسية، والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الشريك الذي يحوز أوراقا استراتيجية واضحة، سواء تعلق الامر بالاقتصاد أو بالأمن أو بالموارد الحيوية.

ووفقا للتقرير، لم تعد الاتفاقيات التجارية التقليدية مثل “قانون النمو والفرص الأفريقي” تمنح امتيازات للدول الأفريقية كما في السابق. فقد تراجعت لصالح رسوم جمركية جديدة مفروضة بموجب “قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية”، ما جعل صادرات حيوية مثل الكاكاو والنسيج تواجه عراقيل متزايدة. وفي المقابل، أصبحت واشنطن تبحث عن مكاسب ملموسة كتوفير المعادن الإستراتيجية وخلق فرص عمل للأميركيين والانسجام مع أولويات الصناعة الوطنية.

لم تسلم سياسات الهجرة هي الاخرى من هذا التوجه الجديد، إذ باتت برامج الإقامة والاستثمار مثل “البطاقة الذهبية” مشروطة ومتاحة لعدد محدود من المستثمرين الأفارقة، في وقت تفرض فيه قيود أشد على التأشيرات بدعوى الأمن أو عدم الاستقرار السياسي.

أصبحت أفريقيا حاليا ساحة مركزية في صراع القوى الكبرى على المعادن النادرة الضرورية للصناعات الدفاعية والسيارات الكهربائية والطيران. ولم تعد التنمية الاقتصادية الهدف الأساسي، بل عوضها التنافس مع النفوذ الصيني الذي يتوسع في القارة بشكل متسارع. ويبدو أن واشنطن، في هذا السياق، ترى في أفريقيا شريكا ضروريا ضمن معركة سلاسل التوريد العالمية.

وسط هذا المشهد، برزت شركات الضغط السياسي والعلاقات العامة كأداة جديدة للقادة الأفارقة لبناء قنوات تأثير في واشنطن. ومن بين أبرز هذه الشركات “غنستر ستراتيجيز وورلد وايد”، التي يقودها جيري غنستر، المعروف بدوره في حملة “بريكست”.  حيث تقدما لشركة نفسها كوسيط قادر على تغيير القوانين الأميركية والتأثير على السياسة الخارجية وصياغة سرديات إعلامية تعيد تشكيل صورة الدول الأفريقية في الولايات المتحدة.

ويضم فريقها خبراء متنوعين من بينهم دبلوماسيون سابقون مثل عمر أرونا واقتصاديون بارزون مثل كواسي كوارتيغ، ومتخصصون في الاتصال الاستراتيجي والدفاع والأمن.  هذه التشكيلة تمنحها قدرة على دمج الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية في مقاربات متكاملة تخدم أهداف القادة الأفارقة.

و قد عملت الشركة مع عدة دول مثل توغو ونيجيريا و جنوب السودان وأوغندا، حيث ساعدت في إدارة أزمات سياسية حساسة، وتأمين لقاءات رفيعة المستوى داخل البيت الأبيض والكونغرس، إضافة إلى هندسة روايات دبلوماسية مضادة للهجمات الإعلامية. كما تقدم  أيضا استشارات في ملفات التأشيرات والاستثمار والترويج للمشاريع الاقتصادية بما يتماشى مع أولويات الإدارة الأميركية.

مع اقتراب قمة القادة الأميركيين والأفارقة في نيويورك عام 2026، يشير التقرير إلى أن شركات الضغط مثل “غنستر ستراتيجيز” تتحول إلى لاعب محوري في تحديد طبيعة المشاركة الأفريقية، بحيث لا تقتصر على الحضور الشكلي بل ترتقي إلى شراكة استراتيجية حقيقية.

 ويخلص التقرير في نهاية المطاف إلى أن زمن الاعتماد على المساعدات والخطابات السياسية التقليدية قد انتهى. واليوم، يحتاج القادة الأفارقة إلى لغة مختلفة تقوم على تقديم قيمة واضحة للولايات المتحدة، مدعومة بخطاب اقتصادي ودبلوماسي منسجم مع طبيعة السياسة الأميركية. ومن دون هذا التحول، ستظل أفريقيا على هامش الحسابات الكبرى في واشنطن.