أبيدجان: واجهة كوت ديفوار ومرآة تحولات غرب أفريقيا

تحرير: صفاء فتحي

تنهض أبيدجان كل يوم بروح جديدة، مدينة لا تعرف التوقف عن التجدد، لتفرض نفسها كواحدة من أهم المدن في غرب أفريقيا. هنا، يلتقي الماضي الاستعماري العريق بطموح معاصر نحو التنمية، في مدينة ارتبط اسمها منذ عقود بلقب “باريس غرب أفريقيا”، مستفيدة من موقعها الفريد على ضفاف بحيرة إيبريي التي تمتد لأكثر من 130 كيلومترا وتشكل عنصرا أساسيا في حياة أكثر من خمسة ملايين من سكانها. هذا الامتداد المائي، الذي قد يبدو فاصلا بين أحياء المدينة، تحول إلى محور يربطها عبر جسور وبنية تحتية جعلت البحيرة جزء من هويتها الاقتصادية والاجتماعية.

ظهرت ملامح أبيدجان الحديثة مع الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي اختارتها سنة 1934 عاصمة ثالثة لكوت ديفوار، قبل أن يشكل شق قناة فريدي عام 1950 نقطة تحول أساسية ربطت البحيرة بالمحيط الأطلسي وسمحت بإنشاء ميناء استراتيجي عزز مكانة المدينة في التجارة الإقليمية. ومع استقلال البلاد عام 1960، تحولت أبيدجان إلى القلب النابض للدولة الجديدة ورمز للحداثة الأفريقية، حيث ساهمت شوارعها العريضة، أبراجها الزجاجية، ومؤسساتها الحكومية في تكريس صورتها كمدينة متطلعة إلى المستقبل.

ورغم انتقال العاصمة السياسية إلى ياموسوكرو سنة 1983، حافظت أبيدجان على مكانتها كمركز اقتصادي وديمغرافي رئيسي، إذ تظل اليوم الوجهة الأولى للأعمال والثقافة في كوت ديفوار وواحدة من أبرز المراكز الحضرية في غرب أفريقيا. تسعى السلطات إلى تقديمها كنموذج للتنمية المستدامة، مع التركيز على قطاعات السياحة، الاستثمار، والثقافة باعتبارها روافع أساسية لتعزيز حضورها الإقليمي.

يظل اسم أبيدجان نفسه مثيرا للنقاش التاريخي واللغوي، إذ تنسبه بعض الروايات إلى سوء فهم بين مستكشف أوروبي وأحد السكان المحليين، بينما يربطه باحثون بشعب بيدجان أو بتعابير من اللغة الإبرية. ورغم تعدد التفسيرات، تبقى المدينة اليوم تجسيدا لمسار طويل يجمع بين تاريخ استعماري وتحولات وطنية عميقة.

بهذه الخلفية، تستمر أبيدجان في رسم صورتها كمدينة قديمة بروح جديدة، تجمع بين الذاكرة والتجديد، تفرض نفسها باعتبارها فضاء حضريا لا غنى عنه في فهم حاضر غرب أفريقيا ومستقبله.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض