الاقتصاد المصري.. معيقات الانتقال نحو التحديث الشامل
محمد زاوي
مرت البنية الإنتاجية المصرية بمختلف المراحل التي مرت منها الأنظمة الاجتماعية العريقة في العالم، من “مشاعة” إلى تفاوت عبودي، فإقطاع قروي خاص، ثم نظام اجتماعي رأسمالي بخصائص عربية ساهم الاستعمار في بلورتها بشكل كبير. وقد عرفت مصر محاولات تحديثية ما قبل استعمارية، وما قبل رأسمالية، وهي تلك التي أطلقها محمد علي باشا (1805-1848)؛ إلا أنها باءت بالفشل لعيوب داخلية أبرزها غياب قاعدة اجتماعية تسند التحديث، وعوامل خارجية أبرزها الاستهداف الأجنبي الاحتكاري (راجع: “تجربة محمد علي الكبير: دروس في التغيير والنهوض” لمنير شفيق).
ويجب التنبيه في هذا الصدد إلى أن العراقيل والمعيقات التي عرفها ويعرفها الاقتصاد المصري في انتقاله نحو التحديث (أبرزها الاستعمار والدين وكافة التدخلات والاستهدافات الأجنبية)، لا هي تفسح المجال أمام التطور الطبيعي لقوى الإنتاج المصرية، ولا هي قادرة على الإجهاز على تقدمها المحتوم تاريخيا. ليس النظام الاجتماعي المصري بطارئ في التاريخ، بل هو نظام قديم يتجدد ويحافظ على بعض سماته الجوهرية مهما كانت الظروف. فإنه بالرغم من تفكيك/ تفكك “المشترك القروي المصري” (راجع “نشأة التكوين المصري وتطوره” لأحمد صادق سعد)، لم يندثر هذا الأخير نهائيا بل تجدد واستمر ضمن النظم الاجتماعية الجديدة، ليظهر من خلالها لا بجديد كل الجدة ولا بقديم كل القدم كما يعبر أحمد صادق سعد. إنها أصول اجتماعية حمالة وجهين: تحفظ الانتقال إلى الرأسمالية الشاملة من جهة، وتمنح هذه الرأسمالية خصوصيات “المشترك القروي-الآسيوي” القديم.
فالرأسمال عندما يتشكل ويتعمم ويتقدم إنتاجيا (أي في قواه الإنتاجية) لا يحقق كل ذلك خارج بنيته الإنتاجية القديمة الما قبل رأسمالية، بل منها ينبعث اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.. هذه نقطة لا بد من التأكيد عليها، قبل الحديث عن المشاكل التي تحول دون انتقال النظام الاجتماعي المصري إلى رأسمالية شاملية، وهي متعددة ناتجة إما عن:
-عوامل خارجية فرضتها العلاقات غير المتكافئة بين مصر والرأسمالات الإجنبية، وما ينتج عنها من ضعف العملة الوطنية وتراجع قيمتها (1 دولار = 48,5 جنيه مصري)، وتفاقم التضخم، والعجز الموازناتي الناتج عن تفاقم الديون الأجنبية (التي قيِّد بها الطموح الاقتصادي المصري بخطة إمبريالية مدروسة/ رجع كتاب “صناعة التبعية: قصة ديون مصر وصندوق النقد الدولي” لرضا هلال)، و”التبادل اللامتكافئ” (بتعبير سمير أمين) في تبادل الواردات والصادرات… إلى غير ذلك من العوامل التي تكبّل النظام الاجتماعي المصري، وتبقيه رهين ما يسمى في أدبيات الاقتصاد السياسي النقدي بـ”التقسيم الدولي للعمل”.
-أو عوامل داخلية أدى إليها النموذج المصري في التخطيط الاقتصادي وما يميز هذا النموذج من بيروقراطية صارمة لا تتناسب مع انخراط الاقتصاد المصري في سوق التبادل الدولي.. تحول هذه البيروقراطية دون تقدم حركة الاستثمارات الخاصة، فتتأثر بذلك معدلات النمو وقيمة الإنتاج والاستثمار والتشغيل، وكذا أسعار السلع، تأثرا سلبيا يفرض المزيد من القيود على تقدم الإنتاج الصناعي الرأسمالي وتعميمه، بالإضافة إلى القيود الخارجية التي تحدثنا عنها أعلاه.. لا تكفي العوامل الخارجية في تفسير واقع الاقتصاد المصري، وإنما هي أيضا عوامل داخلية تمنع: رسملة القطاع الاقتصادي من جهة، وبرجزة التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية من جهة ثانية (راجع “رأسمالية الدولة الوطنية” لعصام خفاجي)..
يجب الانتباه، بعد هذا التحليل، إلى أن المعادلة المصرية جد معقدة؛ إذ لا ينبغي التعامل مع مصر كمجتمع اقتصادي فقط، كبنى إنتاجية في حاجة إلى إيجاد طريقها نحو الرأسمال فحسب. هذا تحليل اقتصادوي لا يستحضر الاستهداف الذي تتعرض له الدولة المصرية وأجهزتها، وأبرزها مؤسستها العسكرية؛ وذلك رغم الانفتاح الذي نهجته الدولة المصرية منذ عهد أنور السادات.. يولّد هذا الضغط على الدولة المصرية نوعا من مركزة السلطة في يد المؤسسة العسكرية، بما فيها سلطة الاقتصاد والاستثمار والتملك، بحيث لا تكتفي هذه المؤسسة بممارسة أدوارها الدفاعية على الحدود، بل تمارس أدوارا دفاعية أخرى في السياسة والاقتصاد، بما في ذلك ملكية الأراضي الزراعية والعقارات والشركات الاستثمارية في عدة قطاعات مدنية (الإسمنت، الرخام، المواد الغذائية، الدواء، الحديد، البنيات التحتية، السياحة، الطاقة، الخ).
هل هناك خط ثالث يجب أن تتبعه الإدارة المصرية؟ هل لها حظ من هذا الخط في واقعها الحالي؟ هذان هما السؤالان الأكثر أهمية، بدل السقوط في أحد موقفين: السقوط في استراتيجية استهداف الدولة المصرية باستهداف مؤسستها العسكرية، تشجيع البيروقراطية والتأميم بطريقة تمنع تقدم الإنتاج المصري.. يرتكز الخط الثالث على تحرير المؤسسة العسكرية للاستثمار، والاكتفاء بالإشراف على ضبطه وتقييده بالمصلحة العامة، أي بمصلحة الدولة والمجتمع المصريين؛ وهذا هو النموذج الصيني عموما. ولا يمنع هذا كبار المسؤولين العسكريين من الاستثمار، خاصة المتفرغين أو المتقاعدين منهم، ولكن في إطار استثمارات خاصة تراعي قواعد “حركية الرأسمال” بتعبير فيرناند بروديل. بهذا تستحيل المؤسسة العسكرية المصرية أداة من أدوات التحديث الاقتصادي (تعميم الرأسمال)، في أفق “برجزة التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية” ككل..
هناك أمثلة على بداية هذا المشوار، هناك استثمارات خاصة بنسب كبيرة في السوق المصرية.. لكن الاستهداف الخارجي المستمر لمصر منذ خمسينيات القرن الماضي، يدخلها بين الفينة والأخرى في معركة الدفاع عن الوجود في ظل التحديات الاقتصادية المتفاقمة، في ظل عالم متقلب وفوضوي، وفي إقليم -الشرق الأوسط- مشتعل يلفحها بناره، بل يكاد يجرها إلى حرب هناك من يقول إنها آتية لا محالة! في هذا السياق يجب تقييم الاقتصاد المصري ووتيرة تطوره، وكل “تحليل اقتصادوي” لن ينفع المصريين، فضلا عن أنه ليس موضوعيا يتعامل مع مصر كـ”بنية إنتاج مستقلة” دون اعتبار لتعقيد واقعها الداخلي والإقليمي والعالمي..
-
اليابان تقترح منطقة اقتصادية تربط إفريقيا بالمحيط الهندي
تحرير: محمد المكودياقترح رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، خلال قمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا، إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تربط... إقتصاد -
أوغندا تدشّن أول منجم صناعي للذهب
تحرير: محمد المكوديافتتحت أوغندا رسميًا أول منجم صناعي للذهب في البلاد، في مشروع يُرتقب أن يشكل محطة مفصلية في تطوير... إقتصاد -
أفريقيا تسابق الزمن لضمان الكهرباء للجميع
تحرير: صفاء فتحيأعلن وزير الكهرباء الجنوب أفريقي كغوسينتشو راموكغوبا أن البلاد تقترب من إنهاء أزمة انقطاع الكهرباء المتكرر، التي أثرت... إقتصاد -
موريتانيا على طريق الريادة في الهيدروجين الأخضر
تحرير: أفريكا آيتسعى موريتانيا إلى تعزيز موقعها على خريطة الطاقة المتجددة في إفريقيا، من خلال تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر التي... إقتصاد -
شركات سيارات صينية وهندية تتنافس على دخول سوق جنوب إفريقيا
تحرير: أفريكا آيذكر موقع أفريكا إنسايدر أن شركات صناعة السيارات في كل من الصين والهند تكثّف جهودها للتوسع داخل سوق... إقتصاد -
البرلمان الإفريقي يعلن عن شراكة لتقليص الفجوة الرقمية بالقارة
تحرير: محمد المكوديأعلن البرلمان الإفريقي عن توقيع شراكة بين مفوضية الاتحاد الإفريقي والجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، بهدف تضييق الفجوة... إقتصاد