طوبى: مدينة صوفية تتقاطع فيها الروحانية والحداثة

تحرير: صفاء فتحي

تثير مدينة طوبى في السنغال اهتمام الباحثين والزوار على حد سواء، إذ لا تختزل في بعدها الجغرافي أو الديني فحسب، بل تقدم نموذجا فريدا لمدينة تشكلت على أسس روحية ثم تحولت مع مرور الزمن إلى رمز عالمي تتقاطع فيه القيم الدينية مع الديناميات الاجتماعية والاقتصادية.

تأسست طوبى في وسط السنغال أواخر القرن التاسع عشر على يد الشيخ أحمدو بمبا، الذي أرادها فضاء قائما على قيم روحية وتعليمية تنشر مبادئ السلم والانضباط الديني. ومع مرور الزمن، تحولت هذه المدينة إلى مرجع أساسي للطريقة المريدية التي تعد إحدى أكبر الطرق الصوفية في غرب أفريقيا، وأصبحت مركزا روحيا يجذب مريدين وأتباعا من مختلف المناطق.

عرفت طوبى نموا متسارعا جعلها تتجاوز كونها مدينة دينية ناشئة لتصبح فضاء حضريا متكاملا. فقد شيدت منشآت دينية بارزة في مقدمتها المسجد الكبير الذي يعد أحد أهم معالمها، إلى جانب معاهد ومكتبات ومراكز تعليمية. كما أسهم النشاط التجاري في أسواقها في خلق توازن بين البعد الروحي والحركة الاقتصادية، وهو ما جعلها مدينة متعددة الأبعاد تجمع بين التدين والحياة اليومية.

ويعتبر “مغال طوبى” من أبرز المحطات السنوية التي تحتضنها المدينة، إذ يستقطب ملايين الزوار من داخل السنغال وخارجه، ما يعكس دورها في تعزيز الهوية الدينية والثقافية، وفي الوقت نفسه في تنشيط قطاعات اقتصادية مثل النقل، الخدمات، والسياحة الدينية. يجعل هذا الحدث من طوبى نموذجا لمدينة استطاعت أن تحافظ على جوهرها الروحي و تنخرط في ديناميات اقتصادية واجتماعية واسعة.

تحظى المدينة اليوم بمكانة رمزية عابرة للحدود، ينظر إليها باعتبارها رمزا دينيا عالميا يعكس قدرة الحركات الصوفية على الاستمرار في ظل تحولات معاصرة. كما يثير تطورها أسئلة أعمق حول كيفية تفاعل المدن الروحية مع تحديات الحداثة، ودورها في صياغة ملامح التوازن بين التقاليد والواقع الاجتماعي المتغير، الأمر الذي يجعل من طوبى حالة فريدة تستحق الدراسة ضمن السياقات الدينية والثقافية في أفريقيا.

واتساب تابع آخر الأخبار على واتساب تليجرام تابع آخر الأخبار على تليجرام أخبار جوجل تابع آخر الأخبار على جوجل نيوز نبض تابع آخر الأخبار على نبض