د.عبد الرحمان كامل
باحث في الدراسات السياسية
يُمثّل التصوّف الإسلامي في غرب افريقيا أحد الركائز الأساسية في بنية المجتمع الديني والاجتماعي، فقد امتزج مع الثقافة المحلية وساهم في تعزيز قيم التسامح والتعايش، وفي ظل التحدّيات التي تواجه المنطقة بما في ذلك النزاعات الطائفية والتطرّف العنيف، يَبرُز التصوف كقوة دافعة لدعم الأمن المجتمعي بفضل أساليبه الروحية والعملية.
وتاريخيًا، انتشر التصوّف في غرب افريقيا عبر قوافل التجار وعلماء الدين الذين نقلوا الإسلام إلى المنطقة منذ القرن الثامن الميلادي، وكان للمغرب الأقصى دور محوري في هذا الانتشار، فقد شكل المغرب بموقعه الجغرافي الرابط بين شمال افريقيا وغربها نقطة انطلاق للطرق الصوفية الشهيرة مثل الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، التي تأسست وتطوّرت في المغرب قبل أن تصل إلى غرب افريقيا، حيث لعبت هذه الطرق الصوفية دورًا بارزًا في نشر التعاليم الإسلامية وتطوير مُمارسات تصوّفية محلّية تتميّز بالمرونة والانسجام مع العادات والتقاليد. ومن أبرز الخصائص التي تميّز التصوف في منطقة غرب افريقيا؛ تركيزه على التربية الروحية وتعزيز الأخلاق، ودعم قيم التعايش السّلمي واحترام التنوع الثقافي والديني، بالإضافة إلى لعب الزوايا دورًا محوريًا في الحياة اليومية باعتبارها مراكز اجتماعية ودينية.
ويلعب التصوّف أدوارًا في دعم الأمن المجتمعي في غرب افريقيا من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي، حيث تعمل الزوايا كفضاءات للتجمّع والحوار الاجتماعي، حيث يتم تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد من مختلف الخلفيات، ويُقلّل هذا التماسك من النزاعات الطائفية والقبلية ويخلق بيئة من التضامن الاجتماعي.
بالإضافة لما سبق، يدعم التصوّف الأمن المجتمعي من خلال مكافحة التطرّف العنيف عبر خطاب ديني وسطي يركز على القيم الروحية وتعليم الشباب قيم التسامح، وهو ما يحمي المجتمعات من خطر الإنزلاق نحو العنف. ولطالما لعب شيوخ الطرق الصوفية أدوارًا تاريخية كوسطاء في النزاعات القبلية والسياسية، مستفيدين من مكانتهم الروحية والاجتماعية لحل النزاعات بطرق سلمية. كما تساهم هذه الطرق بشكل فعّال في دعم المجتمعات المهمّشة عبر إطلاق مشاريع تنموية وخيرية، وهو ما يؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية ويدعم تعزيز الأمن المجتمعي.
وختامًا يُمثل التصوّف في غرب افريقيا نموذجًا فريدًا لديناميكية الدين ودوره في بناء مجتمعات سليمة ومتماسكة، وقد استطاع شيوخ التصوّف أن يلعبوا أدوارًا حيوية في تعزيز الأمن المجتمعي بفضل تركيزهم على القيم الروحية والوسطية، ومع ذلك فإنّ التصدّي للتحدّيات الحالية والمستقبلية يتطلّب دعمًا مستمرًّا من الحكومات والمؤسّسات المحلية والإقليمية لضمان استمرارية هذا الدور وتعزيزه في مواجهة التطرف والنزاعات.