تحرير : خديجة منصور
تعد مدينة الإسكندرية، الواقعة غرب العاصمة المصرية القاهرة، واحدة من أكبر المدن التاريخية وأكثرها تأثيرا في مسيرة الحضارة الإنسانية، يحدها شمالا البحر الأبيض المتوسط، وجنوبا بحيرة مريوط، وشرقا خليج أبو قير، وقد اكتسبت لقب “عروس البحر الأبيض المتوسط” لجمالها الفريد وموقعها الجغرافي المتميز.
أسس الإسكندر الأكبر المدينة عام 332 ق.م بعد طرده للفرس من مصر، على جزيرة قديمة تعرف باسم “فارس”،اختار الإسكندر موقعها بعناية لتكون جسرا حضاريا يربط بين مصر واليونان، وسعى إلى إنشاء مدينة تضاهي مدن العالم الكبرى بتصاميمها العمرانية المتقدمة، أصبحت الإسكندرية عاصمة لمصر لمدة ألف عام، ومركزا ثقافيا وتجاريا وسياسيا للحضارة الهلنستية.
كانت مكتبة الإسكندرية القديمة واحدة من أعظم الإنجازات الثقافية في التاريخ، ضمت المكتبة نحو 700 ألف مجلد، تشمل أعمال هوميروس وأرسطو، وأصبحت مركزا عالميا للعلم والمعرفة، اجتمع فيها علماء بارزون مثل أرخميدس وإقليدس، متجاوزين حدود الدين والعرق والجنس، وأسهموا في تطوير الفلسفة وعلم اللاهوت.
تزخر الإسكندرية بآثار فريدة تحكي قصص حضارتها العريقة، من أبرزها منارة الإسكندرية، إحدى عجائب الدنيا السبع، التي شيدت في العصر البطلمي بارتفاع يتراوح بين 120 و137 مترا، وكانت تضم فانوسا ضخما يرشد السفن في البحر، كما يبرز المسرح الروماني، الذي بني في القرن الرابع الميلادي ويضم 12 مدرجا من الحجر وحمامات من العصر الروماني، إضافة إلى المتحف اليوناني الروماني الذي يحتوي على قطع أثرية تعود إلى القرن الثالث ق.م، وعمود السواري الذي يعد رمزا أثريا بارزا على هيئة نصاب تذكاري.
لا تزال الإسكندرية تحتفظ بدورها كمركز ثقافي بارز، يعتمد سكانها على أنشطة زراعية وصناعية متنوعة، مثل زراعة القمح والطماطم، مستفيدين من موارد المدينة الطبيعية الغنية كالأسماك والثروات الحيوانية، ألهمت الإسكندرية الأدباء والشعراء والفنانين على مر العصور، ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال عنها:
“أمس انقضى واليوم مرقاة الغد
إسكندرية آن أن تتجددي
يا غزة الوادي وسدة بابه
ردي مكانك في البرية يردد”.
الإسكندرية ليست مجرد مدينة؛ إنها رمز خالد للحضارة، ومنارة للعلم والثقافة، بموقعها الفريد وتاريخها العريق، تستمر في إلهام البشرية، وتظل معشوقة التاريخ وترنيمة الزمان.