آخر الأخبار

حالة الاستثناء عند كارل شميث “ج2”

تحرير: عبد الواحد حرايتي

“صاحب السيادة هو الذي يقرر حالة الاستثناء”.

تعتبر حالة الاستثناء المفهوم الأساسي في فكر “كارل شميث” وتنتمي إلى مفاهيم أخرى أساسية مثل “اللاهوت السياسي”و”السيادة”و”الديكتاتورية “كحجر أساس لفهم ما بعد جمهورية “فايمار” تعتبر هذه الحالة نفيا وتعليقا للدستور القديم وتوقيف العمل به نحو وضعية جديدة تتكون من سيادة “ديكتاتورية”وليس بسيادة أو الاحتكام إلى الدستور القديم ،وحالة “الاستثناء”هذه لا تمثل الفوضى أو الاضطراب ،بل الخروج من حالة سياسية هشة وضعيفة إلى نموذج سيادة الزعيم مكان القانون المجرد .وكأننا أمام ديكتاتورية من اجل الحفاظ على الدولة والشعب ،هذه الضرورة أو حالة الاستثناء هاته ،بل هي قانون أسمى يمنح رئيس الدولة مشروعية سياسية ،ويقول “كارل شميث”:لان الاستثناء يختلف عن الفوضوية والبلبلة ،سوف يبقى النظام بالمعنى التشريعي حتى لو لم يستمر بشكله العادي .[1]“حتى لو أدى هذا الانتقال إلى عودة تجمع السلطات في سلطة رجل واحد ،أي في الحالة الديكتاتورية التي يتم فيها التعاقد أو فصل السلط ،وهذه الحالة هي حالة الاستثناء الديكتاتورية ،لكن لابد من الإشارة إلى أن “كارل شميث” جعل هذه الحالة قانونية خالصة أو حالة سياسية أو قانونية سياسية تتموضع بين ما هو قانوني وما هو سياسي ،وخاصة انه يصعب تحويلها إلى نظرية قانونية  أو أن نجد لها تبريرا قانونيا ،فهو يعتقد أن هذا التفسير القانوني يخول أن تجتمع السلط في يد الديكتاتور حتى وان لم نعد نحتكم إلى مبدأ فصل السلط ،ففي حالة وجود ديكتاتورية سيادية ،فان السلط تبقى موجودة ،لكنها تحت حكم سلطة واحدة .أي في يد ممثل السيادة العليا من هذه الفكرة يقع التماهي بينهما وبين حالة “الاستثناء” ،فهي قرار سياسي يحتاج لشخصية كاريزمية .”فكارل شميث” ينطلق من مبدأ الغائية الذي يقول :”غاية السياسة ضمان الحقوق الأساسية”.فحالة الاستثناء تعبر عن وضعية قانونية ثابتة ،والارتباط بينها وبين الفعل السياسي المتحرك ،يربط بينهما القرار السياسي الذي يتخذه الزعيم الملهم ،استثناءا على كفاءاته الذاتية .أما إبداع “كارل شميث” فيتجلى في محاولة العثور على وضع قانوني لحالة الاستثناء و إدخالها إلى مجال القانون .وهذا ما جعل فكر “شميث” يتداخل هنا بين محاولة تأسيس نظرية قانونية لحالة الاستثناء من خلال الاستعانة باللاهوت السياسي وتحديدا مفهوم “المعجزة”التي تجعل الله قادرا من إرادته المطلقة كي يؤسس ويوجد نظرية سياسية .على العموم يمكننا أن نستنتج إلى أن فكرة “حالة الاستثناء “غابت عن الفلاسفة القانونيين لأنهم اهتموا بالتنظير إلى دولة الحق والقانون ،مما أدى إلى تجاهل هذه الحالة وخاصة أنها ترتبط بالديكتاتورية لأنها تجمع كافة السلط في يد الزعيم والذي يقوم بدوره بإلغاء الحقوق الأساسية أو تعطيل  بعضها كوسيلة لعمل دولة القانون والعدالة.

كخلاصة عامة في الأخير ،نصل إلى أن عدم تأسيس نظرية قانونية تعالج حالة الاستثناء من منظور قانوني ودستوري كان مقصودا لأنه لا يمكن الجمع بين المتناقضات خاصة أن دولة الحق والقانون تتعارض مع دولة السلطات الكاملة في يد سلطة واحدة .ومرد هذا الأمر إذا قمنا باستقراء لمن يقتدي بهم “كارل شميث” يظهر السبب والاختلاف ،فهو يقتدي بالعديد من المفكرين “الكاثولكيين” مثل :بولاند bonald  و دو ميستر demaistre  وكذلك “دونزو كورتيس” donso” cortes “،لكن اللامفكر فيه عندهم هو إحياء الملكية بالنسبة لبولاند ودوميستير ،وكذلك بالنسبة للاسباني كورتيس ،والسبب هو البيئة التي عاش فيها هؤلاء المفكرون ،ولحظة زعزعة المجتمع والنظم السياسية ،لهذا كانو يبحثون عن طريق جديد للوحدة ،وهي العودة إلى ملكية قوية ،وهنا تتجلى فلسفة فيلسوفنا “كارل شميث”كما يصف ذلك اندريه دوريموس Andre doremos “لم يكن شميث قد سخر مجموع كتاباته ،تسير الخاصية العضوية لهذه الكتابات في هذا الاتجاه ،ولم يكن شميث بأي شكل من الأشكال  لاهوتيا ولا كاثوليكيا رومانيا منذ خطواته الأولى”[2].وبهذا يصبح “كارل شميث” من أهم المنظرين عن السيادة المطلقة لسلطة الحاكم  وبالتالي سلطة الدولة ،يدعو بطريقة واضحة إلى احتكار السلطة في يد سلطة واحدة أي الحاكم وطبعا حسب منظرو الملكيات المطلقة صاحب السيادة .وهنا يلتقي “كارل شميث”مع “بودان” و”هوبز” بل بطريقة أكثر مبالغة ،عندما يعود إلى “بودان”ويستشهد به ،خاصة عندما يعتقد “بودان” أن الحاكم ملزم بتطبيق المعاهدات التي ابرمها لأنها منسجمة مع القانون الطبيعي ،باستثناء حالة واحدة تمكنه من خرق جميع القوانين وهي حالة الطوارئ أو “حالة الاستثناء” التي تخول للحاكم بان لا يلتزم بأي معاهدة أو وعد قطعه مع شعبه .

نستقرىء  في نهاية هذا الفصل أن “كارل شميث”قارب مفهوم السيادة والدولة والسلطة من حالة “الاستثناء”وهي حالة شاذة غير طبيعية ليتحكم بواسطتها صاحب السيادة على جميع الاستثناء لا بد ان يحولها الى حالة شبه عادية ،وبالتالي تغدو الدولة وكأنها تعيش في حالة حرب دائمة ،وصاحب السيادة عند “شميث” يحولها إلى حالة عادية ،وهنا نصبح أمام دولة شمولية وديكتاتورية ،لان صاحب السيادة يعلق الاحتكام إلى القانون وهو جوهر حالة الاستثناء ،يقول احد الباحثين :”وبهذا المعنى تغدو حالة الاستثناء هي الحالة العادية ،والحالة التي بموجبها تكون الدولة دوما في حالة تأهب ،إلا أن حالة السلم تصير كأنها حالة حرب.[3]“.

إن حالة الاستثناء في هذه الوضعية تتحول إلى لاهوت سياسي مرتبط بكاريزمية الزعيم لتغذوا شبيهة “بالمعجزة” وكأننا أمام نسبية القوانين ،واستحضار جانب ما فوق البشري عند الزعيم ليصبح خارج القانون حتى يتمكن من الهيمنة عليه ،وبهذا نخلص إلى إن الضرورة السياسية أو حالة الاستثناء لا قانون لها.

 

شاهد أيضاً

كاتب ياسين: المتمرد الذي دوّن الثورة وأسر القلوب

تحرير : هالة البصير لم يكن كاتب ياسين مجرد روائي أو شاعر، بل كان صوتا …