♦ القدرة الاستباقية المغربية
أبرز إدريس قريش، دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، ووزير مفوض في التقاعد سابقًا، والأستاذ الزائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، وعضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، أن المغرب يعيش اليوم واقعًا يبرز تفكيك خلية إرهابية كانت تستهدف مقومات الاستقرار الوطني، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز يعكس القدرة الاستباقية القوية التي يتمتع بها المغرب في مواجهة الإرهاب.
وأفاد قريش في تصريح لجريدة “شفاف”، إن هذه الخلية، التي أطلق عليها اسم “أسود الخلافة في المغرب الأقصى”، كانت مرتبطة بتنظيم “داعش”، وتهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد، مشددا على أن المغرب واجه هذا التهديد بحزم، من خلال إحباط مخططاتها التخريبية بفضل استراتيجية متميزة ومتزامنة عبر مختلف المناطق والمدن.
وأوضح دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، أن الإرهاب سواءً المرتبط بـ”داعش” أو بجماعات مثل الإخوانية والوهابية لا يؤمن بالوطن، بل يسعى في الغالب لإقامة الخلافة كبديل عن الدولة الوطنية.
ونبه إلى أن المغرب يحتل موقعا جيوستراتيجيا حساسا، جعله على الدوام هدفًا للجماعات الإرهابية، باعتباره يمثل بوابة بين إفريقيا وأوروبا، ويُعد حصنا ضد تمدد التطرف نحو الشمال، موضحا أن هذا الدور يجعله أيضا هدفًا رئيسيًا للجماعات المتطرفة الساعية إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وأضاف عضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، أن هذه الجماعات تمثل خطرًا كبيرًا؛ لأنها تستغل الدين لأغراض تخريبية، مؤكدًا أن المغرب يتصدى لهذه الظاهرة كدولة موحدة تحت اسم الوطن، معتمدًا على مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والتنمية والإشعاع الثقافي.
وأردف أن الرباط طورت مقاربة رائدة في مكافحة الإرهاب، ارتقت إلى مستوى “دبلوماسية أمنية عالمية”، مستندة إلى خطاب الملك محمد السادس في 30 أبريل 2004 بمدينة الدار البيضاء، أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الاقليمية، تناول فيه أمير المؤمنين أمره السامي بإعادة هيكلة الحقل الديني.
وأوضح أن هذه المقاربة تجمع بين الأبعاد الأمنية والتنموية والروحية، وقد أثمرت تقليصًا ملحوظًا في عدد الخلايا الإرهابية داخل المغرب، حيث تراجع من 16 خلية في 2016 إلى 5 خلايا فقط في 2024.
وأكد أن الزيارات والمبادرات الملكية تجاه الأشقاء من الدول الإفريقية ساهمت في خفض عدد المتأثرين بالتطرف الديني من 28 مليون إلى 18 مليون بين 2016 و2019 في منطقة الساحل وجنوب الصحراء.
♦ التحديات الإقليمية وحقوق الإنسان
أشار إدريس قريش إلى التحديات التي يواجهها المغرب إقليميًا، خاصة من النظام العسكري الجزائري الذي وصفه بأنه “مسكون بعقيدة كراهية المغرب”، محذرًا من مخاطر إشعال الحرب التي يلوح بها في كل مناسبة جنرالات وقادة الجزائر العاصمة.
وانتقد عضو الفيدرالية العالمية لتخليق العلاقات الدولية، استغلال حقوق الإنسان كسلاح سياسي لضرب وحدة الأمة، مؤكدًا أن بعض الفئات في المغرب للأسف لعبت ولا تزال على الوتر الحقوقي خدمة لأجنداتها الشخصية.
واعتبر أن حقوق الإنسان كما جاء بها الدبلوماسي الفرنسي رينيه كاسان؛ تعد ثقافة إنسانية سامية وليست أداة للابتزاز أو فرض أجندات خارجية مثلما يفعل البعض الآن، مبرزا أن المغرب لن يسمح بالتلاعب به في هذا الجانب.
وأكد على أن المغرب دولة ثوابت، اختارها شعبه منذ قرون، تجمع بين الجذور الروحية والانفتاح على الحداثة، موضحا أن هذا التفاعل يشكل العمود الفقري للمرجعية السياسية والدبلوماسية المغربية، مما يمنح البلاد ريادة روحية وحضارية وقوة ناعمة، تجعلها نموذجًا استثنائيًا في العلاقات الدولية.
♦ محاربة الأفكار قبل الإرهاب
أشاد إدريس قريش بالدور الريادي للملك محمد السادس، أمير المؤمنين، في نشر قيم التسامح والاعتدال من خلال الزيارات الملكية وتأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، والإشراف على تكوين أئمة وعلماء البلدان الإفريقية بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات بالمغرب.
ولفت الأستاذ الزائر بالجامعات الوطنية والأجنبية، إلى أن الاستثمارات المغربية في إفريقيا ركزت على التنمية البشرية، وليس فقط على الموارد الأولية، مما منح التعاون جنوب-جنوب وجهًا إنسانيًا جديدًا، وعزز الدبلوماسية الروحية التي يقودها المغرب.
وأردف أن الرباط تدرك أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي لمواجهة الإرهاب، لذلك يتبنى استراتيجية شاملة تجمع بين الوقاية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مشيرا إلى أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على سبيل المثال؛ تعمل على تعزيز الإسلام المعتدل وتدريب الأئمة، بينما تسعى المبادرات الاقتصادية إلى تحسين الظروف المعيشية للشباب، وتقليل قابليتهم للتطرف.
وشدد دكتور الدولة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، على أن الإرهاب لا ينشأ في غالب الأحيان من فراغ، بل يتغذى في الأساس من تراث ديني مشوه ينتج أفكارًا متطرفة، كما في حالة “داعش” وجماعات أخرى مشابهة من ناحية التوجه والمقصد لهذا التنظيم الإرهابي.
ودعا إلى محاربة هذه الأفكار كأولوية قبل مواجهة الإرهاب نفسه، منتقدًا “تجار الدين” الذين يستغلون العواطف للسيطرة على عقول الناس، ولاسيما فئة الشباب منهم، مؤكدًا أن هؤلاء لا وطن لهم، بل يسعون إلى الخلافة على حساب الدولة الوطنية.
بتصرف عن موقع شفاف