خديجة منصور، المغرب
تتميز الدول الإفريقية بمواقعها الجغرافية الاستراتيجية الممتدة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، ما يجعلها غنية بتنوع تاريخي وحضاري عريق، من بين المدن الإفريقية التي تعكس هذا التنوع، تبرز مدينة “دار السلام” الواقعة شرق جمهورية تنزانيا الاتحادية، على ساحل المحيط الهندي، كانت دار السلام في الماضي العاصمة الرسمية لتنزانيا، وهي تعد اليوم أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان، الذين يشكل المسلمون غالبية سكانها، كما أنها تعتبر مركزا اقتصاديا مهما بفضل موقعها الجغرافي المتميز.
تعود جذور مدينة دار السلام إلى إقليم “أزانيا” القديم الذي كان يعرف عند العرب بأرض الزنج، في تلك الحقبة، شهدت المدينة قدوم عدد من التجار العرب الذين اختلطوا بالزنج، ما ساهم في إثراء التبادل الثقافي بين الطرفين، تعلم التجار العرب لغة الزنج، بينما قاموا بتعليمهم اللغة العربية، ما أدى إلى نشوء لغة سواحيلية متميزة تعكس هذا التفاعل الثقافي.
كانت دار السلام في بداية تأسيسها قرية صغيرة معروفة بصيد الأسماك، وتتمتع بشواطئ ساحرة ذات رمال بيضاء وشمس ذهبية، وتاريخ المدينة يرتبط ارتباطا وثيقا بالحضارة العمانية، حيث أسسها السلطان ماجد بن سعيد في عهد أسلافه من رجالات البلاط العماني الذين اشتهروا بحكمتهم، وفي عام 1866 أطلق السلطان سعيد بن سلطان، سلطان مسقط وزنجبار، اسم “دار السلام” على المدينة بعد أن كانت تعرف باسم “مزيزيما”.
تعتبر دار السلام اليوم أحد أهم الموانئ لصيد الأسماك في شرق إفريقيا، تأثيرات بالاستعمار الألماني والبريطاني وهذا ما يظهر جليا في معمارها، بما في ذلك الكنيسة الكاتدرائية للقديس يوسف التي بنيت عام 1902 على يد الألمان، والمتحف الوطني ودار الثقافة التي أُقيمت كنصب تذكاري للملك جورج الخامس، هذه المعالم التاريخية تجذب الزوار لاستكشاف التراث الغني للمدينة وتاريخها الطويل، كما تضم دار السلام أيضا العديد من المعالم الثقافية مثل بوما القديمة، التي شيدها السلطان ماجد بن سعيد في عام 1866 لاستقبال ضيوفه، وتعد بمثابة نموذج للبساطة المعمارية مع حديقة واسعة ومبنى كبير.
من بين المعالم الطبيعية التي تحظى بشعبية في المدينة خليج المحار، المعروف أيضا بكوكو بيتش، الذي يقع على بعد أربعة أميال شمال المدينة، ويجذب الزوار بفضاءاته الطبيعية والاجتماعية. هناك أيضًا متحف القرية الذي يعرض التراث المحلي والأنشطة الحرفية، ويضم مجموعة من 120 عرقا مختلفا من مختلف أنحاء تنزانيا.
تعد دار السلام مركزا هاما للتجارة الإقليمية، حيث تعد نقطة عبور للبضائع والمواد الأولية بين الدول المجاورة، يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الحرف اليدوية مثل النسيج والصيد التقليدي، فضلا عن الزراعة، في الجانب الديني، تتميز المدينة بوجود مدارس إسلامية تعنى بتحفيظ القرآن وتعليم الفقه.
ستظل دار السلام على مر الزمن منتجعًا سياحيًا مميزًا لعشاق الشواطئ، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجمال الطبيعة والهدوء بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجها.