المدينة الساحلية المنسية “براوة”

تحرير : خديجة منصور

توقفت رحلتنا الاستكشافية اليوم في شرق إفريقيا، بالجمهورية الصومالية الديمقراطية، هذه الدولة الصامدة الأبية العريقة التي لم نكن نعرف عنها الكثير سوى الحروب والمآسي، دفعنا الفضول إلى الغوص في تاريخها وجذورها ومدنها، فوجهنا قبلتنا صوب جنوبها، وبالتحديد إلى مدينة تدعى “براوة”، التي تقع بين نهري جوبا وشبيلي، وتبعد حوالي 180 كيلومترا جنوب العاصمة مقديشو.

تتميز مدينة براوة الساحلية، الواقعة في منطقة شبيلي السفلى، بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، وقد اختلف المؤرخون حول من كان له الفضل في تأسيسها؛ فهناك من يرى أن العرب، وتحديدا جماعة عبد الملك بن مروان من المهاجرين السوريين، هم من أسسوها، بينما يرى آخرون أن أول من سكن براوة عام 900 ميلادية رجل يدعى “أوعلى”، وكانت آنذاك منطقة موحشة، حيث يقول الشريف عيدروس النضيري العلوي: “لا يوجد عشرون ذراعا خاليا من الأشجار في الطرف الساحلي، وأما طرف الشط فكانت تسكنه قبائل مع مواشيهم من الأبقار،” فاستعان “أوعلى” ببعض الزنوج، وأقام بها عددا كبيرا من المساكن، وأطلق عليها اسم “براوة بن أو على”، أي باللغة الصومالية “الفضاء الكبير”.

تضم المدينة ميناء استراتيجيا كبيرا يُصدر منه الفحم، وهو ما عُرفت به المنطقة، كما يعتمد سكانها على الزراعة، وصيد الأسماك، والصناعة التقليدية، وقد اهتم أهلها ببناء عدد كبير من المساجد، مثل مسجد الشيخ أبو بكر، وإنشاء مدارس لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، كمدرسة الشيخ قاسم البراوي ومدرسة النورين، ما جعلها تحتل مركزًا علميًا مهمًا، وأسهم في انتشار الإسلام بشرق إفريقيا في القرن الثامن الميلادي، وقد أنجبت المدينة عددا كبيرا من العلماء، منهم الشيخ قاسم البراوي، والشيخ أحمد يوسف كولالي.

عُرف سكان براوة منذ القدم بطيبتهم وأخلاقهم العالية، وقد قال في مدحها الشاعر محمد الهادي: “براوتي فاقت الدنيا بما فيها … فلا تلوموا فؤادي إذ يغنيها.” ويتحدث سكانها اللغة الصومالية.

وما يزيد من سحر المدينة وجمالها، شواطئها الخلابة برمالها الذهبية، ومياهها العذبة، إلى جانب منازلها القديمة التي تروي تاريخ حقب سابقة، شاهدة على أحداث المدينة. ستبقى براوة مدينة عربية إفريقية صامدة، قاومت الحروب لسنوات…

شاهد أيضاً

النظرية السياسية الرابعة: نحو نموذج جديد للفكر السياسي “ج1”

تحرير: عبد الواحد حرايتي طالب باحث بماستر فلسفة القانون جامعة الحسن الثاني المحمدية، المغرب نحاول …