تحرير: خديجة منصور
تعد مدينة فاس إحدى أبرز الحواضر الإسلامية التي لعبت دورا محوريا في تاريخ المغرب والعالم الإسلامي على مر العصور، فقد عرفت بعلمائها ومفكريها الذين أسهموا في شتى مجالات المعرفة، مما عزز مكانتها كعاصمة علمية وثقافية للمملكة المغربية.
تأسست مدينة فاس عام 789 ميلاديا على يد إدريس بن عبد الله الأول، مؤسس دولة الأدارسة، حيث أقامها على الضفة اليمنى لنهر فاس، وبعد وفاته واصل ابنه إدريس الثاني تطوير المدينة بتأسيس جزء آخر على الضفة اليسرى، لاحقا دخل المرابطون إلى المدينة وأمر يوسف بن تاشفين بتوحيد الجزأين، مما جعلها كيانا حضريا موحدا.
لطالما شكلت فاس نقطة التقاء هامة في شمال إفريقيا بفضل موقعها الاستراتيجي الذي جعلها مركزا تجاريا نشطا، اشتهرت المدينة بصناعاتها التقليدية، خاصة دباغة الجلود والنقش على الخشب، مما ساهم في انتعاشها الاقتصادي، وجعلها وجهة رئيسية للتجار والحرفيين من مختلف المناطق.
عرفت فاس بكونها منارة علمية وفكرية منذ العصور الوسطى، إذ احتضنت مؤسسات علمية بارزة، على رأسها جامع القرويين، الذي يعد من أقدم الجامعات في العالم، أسسته العالمة فاطمة الفهرية في القرن التاسع الميلادي، لعب هذا الصرح دورا محوريا في تخريج نخبة من العلماء والمفكرين الذين أثروا الفكر الإسلامي، بالإضافة إلى ذلك، تزخر المدينة بمعالم أثرية عديدة، مثل المدرسة البوعنانية، جامع مولاي إدريس، وأبواب السور التاريخية، التي تعكس غناها الحضاري.
لم تكن فاس مجرد مركز للعلم والتصوف، بل شكلت فضاء للتعايش والتسامح بين مختلف الديانات، حيث سكنها المسلمون واليهود جنبا إلى جنب، مما جعلها نموذجا للوئام الديني، كما احتضنت المدينة شخصيات فكرية بارزة مثل الفيلسوف ابن ميمون، والمتصوف ابن عربي، والعالم ابن خلدون، ما جعلها بيئة خصبة للحوار الفكري والتلاقح الثقافي.
تواصل فاس الحفاظ على إرثها الثقافي من خلال استضافتها لمهرجان فاس للموسيقى الروحية، الذي يجذب سنويا مفكرين وفنانين من مختلف أنحاء العالم، وقد أصبحت المدينة رمزا عالميا للثقافة والتسامح، مما يجعلها وجهة سياحية جديرة بالزيارة لكل باحث عن الأصالة والعراقة، وكما يقال في المثل السوداني: “فاس الما وراها ناس!”