تحرير: عبد الواحد حرايتي
طالب باحث بماستر فلسفة القانون
جامعة الحسن الثاني المحمدية
لقد أشرت في المقالات السابقة إلى تشعب النظرية السياسية الرابعة على مستوى التخصصات التالية: (الجيوبوليتيك ،الفلسفة السياسية،وفلسفة “هايدجر” ،وفلسفة التيار المحافظ،والانتربولوجيا السياسية ،ثم العلاقات الدولية ،والدين ،وعلم اجتماع الأعراق)،وأيضا لما أثارته من نقاشات حادة بين مختلف ممثلي الفلسفة الليبرالية الديموقراطية والمنظرين العالميين للسياسة الدولية (بريجنسكي،هنتنجتون،كسنجر….) ،ونقصد هنا دخول “الكسندر دوجين“في حوارات ومناظرات مع كل من “فوكوياما” و“هنري ليفي” من خلال نقده للنظرية الليبرالية على مستوى الفرد، وعلى مستوى الاقتصاد وبشكل دقيق على مستوى العلاقات الدولية، “فدوجين” ينصب نفسه عدوا لكل ماهو حداثي كما تعيشه المجتمعات الغربية وبالخصوص القيم الأمريكية التي يعتقد أنها تنتمي إلى مشروع العولمة أو الدولة العالمية ،”فالنظرية السياسية الرابعة “كما يؤسس لها دوجين هي نظرية تحررية من الفهم الأحادي القطب لليبرالية والاشتراكية والفاشية ،فبدل فهم الحرية بمنظورها القانوني والسياسي والاجتماعي،تحولت إلى تحرر من القيم الإنسانية من خلال تحرر الفرد من القيم الاجتماعية التي عاشت عليها هذه المجتمعات آلاف السنين،هنا تأتي الحاجة إلى العودة إلى الخصوصية والتراث والهوية الدينية،هذه التصورات التقليدية التي تأسست عليها الحضارات أدت إلى صراع جيوبوليتيكي وفلسفي حول تصورات جديدة للعلاقات الدولية والدين والأعراق ومحاولة تغيير النظام العالمي من عالم “نهاية التاريخ” و “عالم صراع الحضارات” إلى عالم تتعايش فيه الحضارات،إنها فلسفة البدء من جديد،وهذا ماجعل “دوجين” يعرف في العالم الغربي الليبرالي بالفاشي .من خلال محاولته لإحياء النظام الإمبراطوري الذي يطمح دوجين إلى إعادة أمجاده من خلال مشروعه الاوراسي الجديد الذي تمثله الحركة الاوراسية الجديدة التي أسسها وحولها إلى حركة عالمية تدين بالولاء إلى الرئيس الروسي وأصبحت لديها فروع في أفريقيا والمغرب العربي(الجزائر،تونس،ليبيا) وتركيا والهند وباكستان وكل الجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي سابقا(فمثلا دوجين كان له دور أساسي في إفشال الانقلاب الذي وقع في تركيا ضد رئيسها الحالي،فتركيا هي دولة اوراسية تستعمل الإسلام السياسي كوسيلة لإعادة إحياء الطموح الإمبراطوري)،من خلال قراءاته الجيوبوليتيكية المعاصرة في السيطرة على الدول التي تنتمي إلى قلب العالم (أوكرانيا ،جورجيا)كما أسس لذلك “ماكيندر” و”سبيكمان” من قبل ،وباعتبار “دوجين“عدو الليبرالية والقيم الأمريكية ،فالصراع الجيوبوليتيكي الحالي غايته تأسيس نظام عالمي جديد،عالم الإمبراطوريات العظمى التي تخدمها التقنية كوسيلة في ممارسة الهيمنة، هذا الطموح الإمبراطوري يمثله التيار المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية الحالي ،لكن تعارضه الدولة العميقة حسب اعتقاد “دوجين”،وهذا الطموح يتعامل مع القارة الإفريقية كمصدر للمواد الأولية، فالنظرية السياسية الرابعة هي بداية رسم مربعات شطرنج جديدة تؤطرها قوانين القوة العسكرية وهدفها الإطاحة بالقانون الدولي الحالي الذي أصبح شبه متجاوز،مع الصراع القوي على تجاوز الخريطة العالمية التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية. على مستوى العالم العربي يتلقى “دوجين” الترحيب لكن مع الاكتفاء بالخطوط العريضة للقراءة الجيوبوليتيكية “الدوجينية” دون الوقوف على الأسس والمبادئ المكونة لهذه النظرية،اي الوقوف على الرؤية “الدوجينية” ونظريته الجيوبوليتيكية الخاصة به،والمعارضة لعالم بقطب واحد،إلى رؤية عالم متعدد الأقطاب ،يتبنى النظرية السياسية الرابعة بفلسفتها المخالفة للمبادئ الليبرالية ،والمتكونة من انتروبولوجيا سياسية جديدة ،تنظر إلى أن العالم يتكون من حضارات متنوعة وليس من حضارة واحدة مهيمنة تتغيى فرض وجهة نظر واحدة وتفرض بالقوة على المخالف ،مع استحضار الفلسفة المحافظة لكل من “كارل شميث“و”ريني غينون“و”جيليوس ايفولا” بخلفية اشتراكية محافظة ،مع الاخد بعين الاعتبار مفهوم “الدازاين” الهايدجري، لكن مع إضافة إشكالية النوع أو “الجندر” الذي تناقشه الفلسفة النسوية الليبرالية الجديدة ،ومعارضة “دوجين ” لهذا التوجه الذي يعتقد انه يدمر الإنسان ويحوله إلى جسد بدون أعضاء ورغبة ،ففي النظرية السياسية الرابعة سيعيد “دوجين” طرح إشكالية “الجنس في ما بعد الحداثة”وإعادته إلى الحالة السابقة أي معارضة كاملة لعمليات تحويل الجنس والمثلية (هنا تتطابق رؤية دوجين مع توجهات الرئيس الأمريكي ترامب في نزعته المحافظة مما جعله ضد توجهات الدولة العميقة حسب دوجين)…. وهنا تكمن الإضافة في القراءة الجيوبوليتيكية لمبادئ النظرية السياسية الرابعة،فماهي الحركة الاوراسية الجديدة ؟ وماهي أهدافها ؟ وماهي القراءة الجيوبوليتيكية التي تعتمدها من اجل افريقيا؟….