جانب من الملتقى الخامس للمؤتمر الافريقي للسلم

نواكشوط: الملتقى الخامس للمؤتمر الافريقي للسلم

د عبد الله ميغا

باحث في الشؤون الأفريقية، من جمهورية مالي

انعقد بنواكشوط الملتقى الخامس للمؤتمر الإفريقي للسلم تحت عنوان ” القارة الإفريقية واجب الحوار وراهنية المصالحات” وذلك أيام 21-22-23 يناير 2025، برعاية سامية من فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدعم كريم من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبإشراف معالي العلامة عبد الله بن بيه رئيس المؤتمر الإفريقي للسلم، رئيس منتدى أبوظبي للسلم.

وقد شارك في أشغال الملتقى مئات المشاركين ما بين ووزراء وممثلي منظمات أممية، ومسؤولي منظمات إسلامية، وسفراء وممثلي هيئات حكومية ومراكز ومنظمات دولية، ومفتين، وعلماء، وقضاة، ومفكرين، وشخصيات أكاديمية، وإعلاميين، وغيرهم.

واستهل المؤتمر أشغاله بكلمة ضافية لفخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حفظه الله، رحب فيها بضيوف المؤتمر، وتوجه بالشكر إلى “فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى أبوظبي للسلم على جهوده الكبيرة للتأصيل لثقافة السلام والعمل على نشر روح الوئام وقيم الاعتدال والتأخي التي هي جوهر ديننا الحنيف”.

وأكد فخامة الرئيس على أن “ترسيخ روح الحوار والحرص على المصالحات أصبح اليوم من ألح وأكد أولويات قارتنا الإفريقية نظرا لما تشهده من حروب ونزاعات واضطرابات اجتماعية وتنام مخيف لظواهر التطرف والعنف والإرهاب، فمن أنجع السبل لمواجهة التدهور المتعاظم للأمن والاستقرار في مجتمعاتنا الافريقية العمل على جعل الحوار مرتكزا أساسيا في منظومات حكامتها السياسية والاجتماعية”.

كما ألقى معالي العلامة عبد الله بن بيه رئيس المؤتمر الكلمة التأطيرية للملتقى، وضمنها المنطلقات والتحديات، والفرص المتاحة أمام القارة الإفريقية للخروج من أزماتها وشفائها من علاتها. وقال “إن الحديث عن الحوار ليس ترفا ولا فضولاً، وإنما هو من صميم واجب الوقت المتعين على الجميع النهوض به على مختلف المستويات، فالحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجنب الحروب وإيقاف العنف”.

وبين أن “ديننا الحنيف بحق دين الحوار، إذ جعل الحوار مبدأ أساسياً للتواصل مع الآخر، القريب أو الغريب، المشابه أو المغاير، مع الصديق ومع العدو”. فالحوار وسيلة مطلوبة في كل الظروف وعلى مختلف المستويات، إنه ضرورة قبل الحرب لتجنّبها، وأثناء الحرب لإيقافها، وبعد الحرب للتخفيف من آثارها، وضمان عدم عودتها”.

وكما أن ديننا الحنيف دين حوار فهو أيضا دين إصلاح ومصالحة، فقال: “والمستقرئ لنصوص الشرعية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفقه الأئمة، يعلم بالقطع أهمية الصلح في الإسلام، فقد وضع فقهاً متكاملاً لحل النزاعات بالوسائل السلمية العاقلة، تتمثل مفردات هذا الفقه في “كتاب الصلح”، وهو باب عظيم في كل كتب الفقه الإسلامي”.

وعرفت الجلسة الافتتاحية فعالية تسليم جائزة السلم في إفريقيا في نسختها الثالثة التي حظي بها فخامة السيد الحسن واتارا رئيس جمهورية كوت ديفوار تثمينا لجهوده في تعزيز ثقافة الحوار والمصالحة في أفريقيا، واعترافا بدوره الاستثنائي خلال فترة قيادته للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في إدارة الأزمات الإقليمية، من خلال تعزيز الحوار والمصالحة ومبادرات الوساطة، بالإضافة إلى النموذج الفريد الذي أرساه للمصالحة الوطنية في ساحل العاج.

وعقب انتهاء الافتتاح الرسمي، انطلقت جلسات المؤتمر والتي تواصلت على مدى ثلاثة أيام وتوزعت على خمسة محاور، ومن أهم ما خلص إليه المشاركون:

أولا: النتائج

  • أظهر الوضع الراهن في إفريقيا، خاصة ما يتعلق بالتهديدات التي تتوجه إلى زعزعة استقرار الدول ووحدة المجتمعات، أن الحوار خيار لا بديل ولا محيد عنه لإدارة الأزمات، وإبداع الحلول السلمية التي تعزز الاستقرار والازدهار والابتكار.
  • إن غياب ثقافة الحوار وقيم المصالحة في إدارة الخلافات السياسية والاجتماعية أدى إلى تفاقم الأزمات، حيث تستبدل الأدوات الدبلوماسية ووسائل التفاهم باللجوء إلى العنف، مما يزيد من معاناة الشعوب ويعطل مسيرة التنمية.
  • يؤكد الوضع العام في القارة الإفريقية الحاجة الماسة إلى بناء جسور التعارف والتفاهم، والانتقال إلى ترسيخ قناعة الوجدان المتشارك من خلال تفعيل قنوات التواصل بمختلف مستوياتها بين الحكومات وشعوبها، وبين الحكومات ونظيراتها، وبين الشعوب وأشقائها، بهدف بناء الثقة وتعزيز التعاون.
  • إن الصراعات والنزاعات الدينية والعرقية والسياسية، تتجاوز حدود الدول لتشكل تهديدًا أمنيا إقليميًا وقاريا وعالميا، مما يفرض ضرورة تبني الحوار والمصالحة سبيلا لتمتين العلاقات بين الدول وتعزيز الجهود الجماعية لتحقيق السلم والاستقرار.
  • إن الحوار واجب ديني، وضرورة إنسانية يرعاها الإسلام، كما يظهر في قوله تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ * وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) . فالإسلام يضع الحوار أساسا للتواصل مع الآخر، بما يضمن الإصلاح وتحقيق السلم وتعزيز التعايش بين مختلف المكونات المجتمعية.
  • تعتبر المصالحة تجسيدًا عمليا لقيم العدل والإنصاف والتسامح، وهي قيم لا غنى عنها في المجتمعات التي تسعى لبناء سلم مستدام. ولابد من إبراز هذا البعد الأخلاقي في جميع المبادرات التي تهدف إلى حل النزاعات.
  • تواجه القارة الإفريقية تحديات مشتركة، تستوجب تعزيز التعاون على أساس المصير الواحد، مما يجعل الحوار والمصالحة واجبين إنسانيين، يعكسان الالتزام بتعزيز التضامن الإقليمي

وأوصى المشاركون في الملتقى الخامس للمؤتمر الافريقي للسلم بما يلي:

  • إطلاق شبكة إفريقية للحوار والمصالحة فتنشئ منصة رقمية متعددة اللغات، تضم العلماء والمفكرين والقيادات المجتمعية من مختلف دول القارة تهدف الشبكة إلى توفير مساحة تفاعلية لتبادل الخبرات والنماذج العملية للمصالحات، وإلى تقديم حلول مبتكرة وتسترشد بالمعرفة المحلية لحل النزاعات، وإلى دعم التواصل بين الأطراف المتنازعة باستخدام تقنيات الترجمة الفورية لتعزيز الفهم المتبادل.
  • إطلاق برنامج تدريبي متكامل للشباب والنساء في الوساطة المجتمعية يستهدف تمكين الشباب والنساء في المناطق المتضررة من الصراعات من اكتساب مهارات الحوار وحل النزاعات والمشاركة الفاعلة في جهود المصالحة على المستويين المحلي والإقليمي، ودعمهم ليصبحوا وسطاء فاعلين في مجتمعاتهم بالتعاون مع المؤسسات الدينية والحكومية.
  • إنشاء صندوق دعم المصالحات والتنمية المحلية تأسيس صندوق إفريقي مشترك بتمويل من الحكومات والشركاء الدوليين، يُخصص لدعم مبادرات المصالحات القبلية، والمجتمعية في القارة الافريقية، وتمويل برامج التعليم والتدريب في المناطق التي تشهد نزاعات.
  • تطوير نظام ذكاء اصطناعي لتحليل النزاعات وإدارة المصالحات، والتعاون مع شركات تكنولوجيا دولية لتطوير تطبيق ذكي قادر على تحليل جذور النزاعات بناءً على بيانات تاريخية واجتماعية واقتصادية، لتمكين الجهات المعنية من اقتراح حلول مخصصة لكل نزاع بناءً على معايير علمية وإنسانية.
  • إطلاق جوائز سنوية محلية للمصالحة والحوار في إفريقيا تمنح لأفضل المبادرات المجتمعية والفردية التي نجحت في حل نزاعات طويلة الأمد، أو تقليل حدة التوترات في مناطق النزاع، وفي تعزيز الحوار بين المكونات المجتمعية المختلفة، ودعم ثقافة السلم بوسائل إبداعية تجمع بين الإرث الحضاري الإفريقي والابتكار.
  • استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية، تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد، وتعنى بالوساطات والمصالحات لفض النزاعات سواء كان مردها إلى ضغائن تاريخية أو عصبيات عرقية وقبلية أو كان سببها الفكر المتطرف والإرهاب. ومن وظائف هذه الهيئة المقترحة التكوين
  • تطوير مقرر دراسي بعنوان “ثقافة الحوار”، في المدارس والمعاهد الحكومية ومؤسسات التعليم الشرعي العتيق على مستوى القارة الافريقية.
  • إنشاء مركز متخصص للحوار يتبع المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم، وإصدار مجلة السلم الإفريقية وتكون خاصة بالقارة ويكتب فيها أبناء القارة الإفريقية.
  • إعداد برنامج صيفي للمشاركين يتضمن دورات تدريبية وتكوينية على مفاهيم السلم وقيم التسامح ومصطلحات الحوار، لتزويدهم بعدة مفهومية وأدوات حجاجية، تساعد على قوة البراهين والقدرة على الإقناع، ليقوم المشاركون بالدور المرجو منهم في الحوار والصلح.
  • كتابة ميثاق إفريقي للحوار، يتضمن مجموعة من الأسس والمبادئ الحاكمة، وتشكل أرضية للتوافق بين الساعين إلى الإصلاح والمصالحة في إفريقيا. ويكون هذا الميثاق دستورا ومرجعا للمتحاورين في القارة، ومائدة إفريقية عالمية يجلس إليها كل محتاج.

وفي الختام، يطيب للمشاركين في الملتقى الخامس لـ” المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم” أن يعبروا عن صادق شكرهم وجزيل عرفانهم لحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايتها الكريمة ويرفعوا عبارات امتنانهم إلى فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على كريم العناية وجميل الرعاية التي حظي بها ضيوف هذا المؤتمر.

كما يشكر المشاركون دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعبا على المبادرات الإنسانية النبيلة وعلى الجهود الحميدة التي ما فتئت تنشئها باعتبارها أرض السلام والتسامح والتعايش.

ويتوجهون المشاركون كذلك بجزيل الشكر والتقدير لفضيلة العلامة الإمام عبد الله بن بيه على رعايته وتوجيهه وإرشاده. كما يتوجهون يتقدمون بعظيم الامتنان إلى القائمين على المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم على جهودهم المتميزة في إنجاح أعمال هذا المؤتمر

 

شاهد أيضاً

الترجي ينهي دور المجموعات بانتصار كاسح على ساغرادا

اختتم الترجي الرياضي التونسي مشواره في دور المجموعات من كأس رابطة الأبطال الإفريقية بانتصار كبير …