تحرير:كـــونـــــي مـــامــادي
طالب باحث ماجستير الأدب والنقد، ساحل العالج
إن الحديث عن استقبال شهر رمضان في كوت ديفوار ذو شجون، ممتدّ الأطراف، متعدّد الجوانب، كثير النواحي، بعيد المدى، وقديمٌ قِدَمَ الإنسان الإيفواري المسلم، بل هو أكبر –إن لم يكن مبالغة– من الدنيا وما فيها، لكون صوم رمضان ركنًا من أركان الإسلام، فرضيّته ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، مما يفرض على كل مسلم حقيقي أن يستعد ويتأهّب ويتجهّز لتلقّيه بكل ما يملك من قوة مادية ومعنوية، ما وجد إلى ذلك سبيلًا.
ولمّا كان المسلمون في كوت ديفوار يشكّلون أغلبيّة سكّان الدولة وفق الإحصائية الرسميّة الأخيرة، ظلّ من اللازم أن تنبئك الشوارع والطرقات والأسواق والمعامل بقدوم ملامح هذا الشهر، فضلًا عن مواقع التواصل الاجتماعي والمذياع والقنوات التلفزيونية التي تمتلئ بالأغاني الإسلامية التي لا تكاد تُسمع طوال السنة إلا عند اقتراب رمضان. ومن أولى مظاهر هذا الاستقبال، حرص مسلمي كوت ديفوار على قضاء ما فاتهم من صيام رمضان الماضي، والإكثار من الصيام في شهري رجب وشعبان، والتضرّع إلى الله أن يبلّغهم رمضان في صحة وعافية، إضافة إلى تنظيم محاضرات توعوية حول فقه الصوم وفضله، وتكوين لجان مستقلة لتنظيم صلاتي التراويح والتهجّد، مع الاهتمام بتجديد المساجد من طلاء وسجاد، حيث يخرج الناس جماعات وأفواجًا، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، لتنظيف المساجد وتزيينها استقبالًا لهذا الشهر الفضيل.
ومن الطريف أن غير المسلمين في المجتمع الإيفواري يشاركون المسلمين فرحتهم بقدوم رمضان، حيث يهنّئونهم بأطيب التهاني، ويقدمون إليهم الهدايا للإفطار، مما يعكس روح التعايش السلمي في المجتمع الإيفواري، ويجعل منه نموذجًا متميزًا عن بقية المجتمعات المجاورة. ويستقبل المسلمون في كوت ديفوار شهر رمضان بفرح وسرور، راجين من الله العون على صيامه وقيامه، مع التذكير بأن المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية يجتمع عادة في 29 شعبان لتحري رؤية الهلال، إذ لا يُثبت الشهر إلا برؤية الهلال وفق اتفاق جمهور علماء المسلمين.
وفي الماضي، كان الإيفواريون يحملون المشاعل في الليلة الأولى من رمضان متوجهين بها إلى السواحل والقرى، يضربون الطبول إعلانًا بقدوم الشهر، كما كانوا يوقظون الناس للسحور طوال رمضان، غير أن هذه العادات تراجعت أمام تطور أساليب الحياة في أواخر القرن العشرين. ومع ذلك، لا تزال المساجد تكتظ بالمصلين بعد صلاة الظهر يوميًّا، حيث يستمع المسلمون إلى تفسير القرآن الكريم على مدار الشهر، ويتفاوت نهج المشايخ بين من يحرص على تفسير المصحف كاملًا في رمضان، ومن يفسر دون قيد ليواصل في العام التالي.
ويُعنى المسلمون في كوت ديفوار بتلاوة القرآن في رمضان، حيث يعمّر حفّاظهم ومقرئوهم المساجد والمساكن بتلاوته، ويعدّ هذا الشهر فرصة ذهبية لمراجعة المحفوظات. كما أن من لا يجيد القراءة يقضي يومه مستمعًا إلى التلاوة عبر المذياع أو القنوات الإسلامية. وخلال الشهر، تنظم محاضرات دينية في المساجد، وتقام حلقات الذكر، وتُعقد مجالس الطرق الصوفية تقربًا إلى الله.
ولا يخلو مسجد من موائد الإفطار الجماعي، إذ يتسابق الرجال والنساء على توفير الطعام للمصلين، كما تحرص نوادي الشباب على توزيع المساعدات على المحتاجين. ويجتمع الإيفواريون المسلمون على موائد الإفطار في المساجد والمصليات، حيث يشعر الجميع بروح الأسرة الواحدة. ويتجلى الكرم في رمضان في حرص الأغنياء على تفطير الصائمين ومساعدة المحتاجين، كما تُدفع الزكوات في هذا الشهر، وتساهم السلطات والمنظمات الخيرية ورجال الأعمال في تقديم المساعدات.
ويتميز رمضان في كوت ديفوار بمأكولاته التقليدية، حيث يتناول المسلمون وجبات مثل المديد، والثريد، والحساء، وكعك الدقيق، إضافة إلى عصير الزنجبيل، والأناناس، والفواكه المحلية كالبرتقال والتفاح واليوسفي، إلى جانب الشاي، الذي يعد عنصرًا أساسيًّا على موائد الإفطار والسحور. أما وجبة السحور، فتتكون غالبًا من الأرز أو الحصيد، مع اللحوم والفواكه والحمضيات.
وللأمهات دور بارز في رمضان، فهنّ من يجهزن الفطور والسحور، ويقمن بمهام التنظيف والتسوق وإيقاظ أفراد الأسرة للسحور، فضلًا عن مشاركتهن في صلاتي التراويح والتهجد، مما يجعلهن عنصرًا رئيسيًّا في إحياء هذا الشهر الفضيل. كما أن الأطفال يشاركون في قيام رمضان وصيامه منذ الصغر، حيث يملؤون المساجد وقت صلاة التراويح، متدربين على الصيام دون مشقة.
وتشهد ليالي رمضان صلاة التراويح التي تنظم في جميع المساجد، ويزداد الاجتهاد في العشر الأواخر، حيث يحرص الشباب على الاعتكاف والنوم في المساجد، حتى لا تفوتهم صلاة التهجّد مع الجماعة. وتُحيى ليلة السابع والعشرين باعتبارها ليلة القدر، مما دفع الحكومة الإيفوارية إلى اعتبارها يوم عطلة رسمية، حيث تُعقد فيها الندوات الدينية، ويتسابق الناس إلى فعل الخيرات تعظيمًا لشأنها.
إن الحديث عن استقبال رمضان في كوت ديفوار ذو شجون، وهذه لمحة بسيطة عن مظاهر هذا الشهر في البلاد، إذ يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق، وعلى الرغم من أنه لا يمكن الإحاطة بكل التفاصيل، فإن هذه الصورة تبقى شاهدة على مدى ارتباط المسلمين في كوت ديفوار بشهر الصيام، وتمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم الراسخة.