إفريقيا: مهد البشرية الباحثة عن السلام

تحرير : يوسف المساتي،

باحث في التاريخ والتراث الثقافي

إفريقيا ليست مجرد قارة جغرافية ضمن المعمور، بل هي مهد البشرية وأصل الحضارات الإنسانية، إذ شهدت أقدم ظهور للإنسان، وانطلقت منها أولى الهجرات البشرية نحو أرجاء العالم، والتي شكلته كما نعرفه اليوم، كما كانت إفريقيا مهدا لثقافات عريقة، حيت تمكن الإنسان من تطويع أدوات الطبيعة لصالحه في صراع مستمر من أجل البقاء، مما أكسبها تنوعا ثقافيا فريدا، وثروات طبيعية هائلة.

ومع ذلك، تظل إفريقيا القارة الأكثر غرقا في أتون الحروب والنزاعات المسلحة العرقية والهوياتية، ومن أكثرها تأثرا بالصراعات المسلحة المتجددة التي ما تفتأ تخمد حتى تشتعل من جديد، ما يجعل من تحقيق السلام في هذه المساحة الجغرافية الهائلة تحديا إنسانيا لا يرتبط بسكان القارة فقط، بل بالإنسانية جمعاء، إذ إن الصراعات في إفريقيا لا تتوقف عند كونها محلية، بل تمتد تأثيراتها إلى العالم بأسره. غير أن تحقيق السلام، لا يمكن أن يتم دون فهم أسباب الحروب والنزاعات، خاصة عندما تكون متداخلة ومعقدة ومشتبكة، تتداخل فيها العوامل السياسية، التاريخية، والاقتصادية.

  • الحدود الموروثة بعد الاستعمار

يشكل مؤتمر برلين المعروف أيضا بمؤتمر الكونغو (1864-1865) لحظة مفصلية أساسية في تشكيل صراعات الحاضر في القارة الإفريقية، فإذا كان قد قنن التدافع الأوروبي حول افريقيا، إلا أن ذلك تم على حساب القارة التي وجدت نفسها موزعة على هوى ومطامع القوى الاستعمارية، التي قسمتها إلى مجتمعات عرقية وكيانات لا تستطيع فرض سلطة مركزية، ودول لم تراعي الخصوصيات والروابط الثقافية والتاريخية للدول الافريقية، وبالتالي تأسست حدود سياسية هشة بعد الاستقلال ما ولد صراعات طويلة الأمد.

ورغم تبني منظمة الوحدة الافريقية سنة 1964 لمبدأ “الحدود الموروثة عن الاستعمار” لتفادي النزاعات الحدودية، إلا أن ذلك لم يحل المشكلة بل عمقها، وادى إلى تأجيج النزاعات حول الهوية والسيادة بين الجماعات العرقية والإثنيات المتناحرة داخل الدول نفسها، وبينها وبين بعضها البعض، كما في حالة إقليم تيغراي الإثيوبي، أو النزاعات بين الجماعات العرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان وغيرهم.

  • الصراعات العرقية والدينية

نظرا لطبيعة التركيبة السكانية والتاريخي للقارة الإفريقية، فإنها تضم عددا هائلا من الجماعات العرقية واللغوية والثقافية، وقد أدى الوضع الموروث عن الاستعمار، إضافة إلى مشاكل ما بعد الاستقلال، والتنافس على السلطة والموارد الطبيعية، في ظل غياب ثقافة التداول السلمي عليها، وعدم القدرة على تدبير التنوع الثقافي بشكل سلس وسلمي إلى تصاعد التوترات بين الجماعات العرقية والإثنيات المختلفة، حيث أصبحت وقودا للحروب والنزاعات المحلية والإقليمية، والحدودية؛ ففي السودان والكونغو ونيجيريا وإثيوبيا، وغيرهم من المناطق تتسبب الخلافات الثقافية في إزهاق الأرواح وإشعال فتيل الحروب، وقتل آمال السلام، عدا عن الخسائر التي تخلفها وانهيار النسيج الاجتماعي.

وقد زاد من وطأة هذه التحديات انتشار الجماعات المسلحة المتطرفة التي اتخذت الانتماءات الدينية او الثقافية او اللغوية كغطاء لممارسة العنف والإرهاب ضد الدول والمجتمعات المحلية، مستفيدةً من ضعف الحكومات والهياكل الأمنية غير المستقرة، مثل “بوكو حرام” في نيجيريا، وحركة “الشباب” في الصومال، والتنظيمات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي. وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية.

إن تحقيق السلام في إفريقيا لا يُعدّ مجرد تحدٍ محلي، بل هو مسؤولية عالمية تتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا، وفق نهج شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراعات بدلًا من الاكتفاء بإخماد حرائق الحروب، والبكاء على الضحايا. حتى تتحول افريقيا إلى قارة سلام، تؤدي وظيفتها في الحضارة الإنسانية.

 

 

شاهد أيضاً

تشاد وبوركينا فاسو: لقاء رئاسي لتعزيز التعاون الثنائي

تحرير : عمر قادر في إطار زيارة رسمية إلى بوركينا فاسو، التقى رئيس جمهورية تشاد، …