الإثنين , 24 فبراير 2025
arenfr

مفهوم السيادة عند كارل شميث “ج1”

تحرير: عبد الواحد حرايتي

ظهر مفهوم السيادة حسب تاريخ الأفكار السياسية مع “بودان”إبان القرن 16 الذي تميز بظهور صراعات حادة عن السلطة السياسية ،وخاصة لما عرفته أوروبا من تفكك إلى دول قومية ،ومن صراع الحكام المطلقين مع المقاطعات أي بداية محاولة تغيير نظرية الحق الإلهي ،والتي أسقطت في القرن 18 وقبلها مع الثورة الفرنسية فبدا مفهوم السيادة يظهر مع الدول حديثة النشأة فمثلا مفهوم “Vattel” وتعريفه للسيادة سيوضع في إطار القانون الدولي ،كما بدا يظهر مفهوم السيادة في نظام “الرايخ” الألماني سباقون إلى التمييز بين مفهوم الدولة ومفهوم السيادة ،ويمكننا أن نخلص مع “كارل شميث” إلى أن الدولة يمكنها أن تستمر دون سيادة ،لكن رغم ذلك ما يزال التعريف القديم يتداول وهو:”السيادة هي أعلى سلطة أصيلة مستقلة قانونيا” .لكن حسب هذا التعريف تصبح السيادة رمزا أو صيغة لكن ليست واقعية ،ولهذا نجد عند “روسو” الذي ينسجم مع روح عصره “القوة سلطة مادية” وبهذا لا بد من أن تجمع السيادة بين السلطة والقهر، وهنا تأتي قوة الدولة واستقلاليتها ، وخاصة بعد فلاسفة التعاقد الاجتماعي لا يمكن أن تستفرد جهة واحدة بجميع السلط ،خاصة بعد “لوك”و”مونتسكيو” وقد دعا هذا الأخير في كتابه”روح القوانين” إلى فصل السلط .من خلال تبريره إن ما يهمه هو قوة الدولة ووحدة سيادتها ،وليقوم بنسق هذه الفكرة يعود إلى الدستور الذي يحتج به أنصار فصل السلط ،ليؤكد أن سيادة الدولة هي الأولية ،لان الدولة هي التي تضع القانون وليس العكس حسب مقولته الشهيرة :”صاحب السيادة هو الذي يقرر حالة الاستثناء. “،وحالة الاستثناء هذه ليست إلا تعليقا للقانون وكل الوسائل العادية للممارسة السلطة ،وبهذا يصبح صاحب السيادة هو الذي يملك كلمة الفصل في القرارات المصيرية للدولة والتي يتوقف عليها وجود هذه الأخيرة ،وبهذا يصبح صاحب السيادة عند “كارل شميث”شبيه بصاحب السيادة عند “هوبز”،بل إن سلطته أعلى من سلطة المتعاقدين الذين توجوه حاكما ،لأنه ليس طرفا في العقد ،فهم يلتزمون بالعقد بينما الحاكم فوق العقد ،وببساطة لا يعنيه العقد،وسلطته غير محددة داخل مجال العقد ،بل فوق العقد وغايته هي القضاء على حالة الطبيعة ، إنها حالة “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”.ويشير “كارل شميث” إلى ما ذهب إليه “Hans Kelsen”في كتابه “مشكلة السيادة ونظرية القانون الدولي”.وبهذا تصبح الدولة هي النظام القانوني الذي يصدر القرارات التشريعية من النقطة المركزية إلى النقطة الأدنى، وبهذا يكون”كلسن”قد حل مشكلة مفهوم السيادة من خلال نفيها، وقد وصل إلى استنتاج “أن مفهوم السيادة ينبغي أن يكبح جذريا”.لكن هذا ليس سوى النفي الليبرالي للدولة مقابل القانون ،لكنه تجاهل إشكالية إنفاذ القانون وقد وافق “Hugo Krabbe” على هذا المنظور ،بل أسس نظريته على أن السيادة للقانون وليس للدولة،وبهذا يصبح القانون هو السيد،لكن إن كان هناك تشابه بينهما ،فالاختلاف يعود للمنطلقات الفلسفية ،”فكلسن” كانطي ،لكن يجتمعان كلاهما تحت هذه الفكرة :”لم نعد نعيش في ظل سلطة أشخاص ، سواء كانوا طبيعيين أو اصطناعيين (قانونيين)،بل في ظل سيادة قوانين أو قوات “روحية”وهذا هو جوهر الفكرة الحديثة للدولة .”
وبهذا يقع التحول على مستوى السيادة إلى القانون وليس على مستوى الدولة ،وقوة هذه الأخيرة لا توجد إلا في إصدار القواعد القانونية فهي صانعة القرار،وهذه هي السيادة في أبهى تجلياتها يقول “كارل شميث”:”المهمة الوحيدة للدولة هي صناعة القانون “.وبهذا تصبح الدولة بحاجة إلى القانون ،والقانون بحاجة إلى الدولة ،وقد حاولت نظريات السيادة خاصة نظرية كل من “كرابه”و”برويس”و”كلسن”.فهي تتفق جميعا على ضرورة إزالة جميع العناصر الشخصية من مفهوم الدولة ،لكن عناصر القيادة والشخصية تنتمي إلى المكان بنفسه.ونلاحظ كاستنتاج أن هذه التصورات كلها تتناغم مع التقليد الدستوري الليبرالي للقرن 19 ،وكمثال على ذلك عندما أعطى “جون لوك” كلمة قانون نفس المعنى لكلمة”كوميسيو”أي الأمر ويقصد بها “الأمر الشخصي للملك”.ويمكن أن نضيف أيضا إلى فكرة عند “هوبز” تظهر واعدة ومنيرة منبها إلى التناقض المجسد على مستوى أن السلطة وليس غيرها شيء هي التي تحافظ على القانون ،والتناقض بين الحقيقة والسلطة هو أكثر جذرية .وهنا يحاول “هوبز” جعل نفوذ الدولة خاضعا لقوة روحية لان هذه الأخيرة من مرتبة أعلى ،وقد برر هذا بأنه إذا خضع نفوذ لنفوذ آخر ،لن يكون المعنى أكثر من أن الشخص الذي يمتلك النفوذ تابع للآخرين يقول:”من يتمتع بنوع من النفوذ يخضع لمن لديه نفوذ اخر. “.وهنا تظهر لنا فرادة “هوبز” كمشرع وأيضا كفيلسوف وعالم طبيعة.

شاهد أيضاً

إطلاق علم الاتحاد الإفريقي لمنطقة الساحل (AES)

 في خطوة تاريخية تعزز التكامل الإقليمي، استضافت العاصمة المالية باماكو يوم السبت حفل إطلاق العلم …