العودة الروسية إلى أفريقيا: هل ستكون القارة السمراء المستفيد الأكبر من الأزمة الأوكرانية؟

تحرير: وداد وهبي

تعيش العلاقات الروسية الأفريقية مرحلة تحولات عميقة، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على استراتيجية موسكو الخارجية ودفعتها لتعزيز حضورها في القارة الأفريقية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تناميًا ملحوظًا للدور الروسي في أفريقيا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وذلك بهدف ترسيخ نفوذها في مواجهة الضغوط الغربية التي تقودها الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
تاريخيًّا، تمتعت روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا) بعلاقات وثيقة مع دول القارة الأفريقية، خصوصًا خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث دعمت حركات التحرر الأفريقية وساهمت في بناء مئات المشاريع الصناعية والزراعية والتعليمية. لكن هذا الدور تراجع بشدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، ليعود الاهتمام الروسي مجددًا بأفريقيا مع مطلع الألفية الجديدة، متخذًا منحًى أكثر براغماتية وتنوعًا.
تُعد القمة الروسية الأفريقية التي عُقدت في سوتشي عام 2019 بمشاركة واسعة من الزعماء الأفارقة نقطة تحول محورية، حيث سعت موسكو من خلالها لاستعادة نفوذها، مقدمةً مبادرات مثل إسقاط ديون بقيمة 20 مليار دولار، ومضاعفة حجم التجارة مع القارة لتصل إلى 40 مليار دولار سنويًا.
ومع استمرار الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا، تسعى موسكو لتعزيز وجودها في أفريقيا لأسباب اقتصادية وسياسية وعسكرية، أبرزها تأمين مصادر للمواد الخام والموارد الطبيعية الضرورية للاقتصاد الروسي، خاصة الذهب والماس والكوبالت والنفط واليورانيوم، إضافة إلى فتح أسواق جديدة للصناعات الروسية.
من الناحية العسكرية، زادت روسيا صادراتها من الأسلحة إلى أفريقيا، وأبرمت اتفاقيات عسكرية عديدة مع دول مثل مالي والسودان والجزائر ومصر. وتعتمد روسيا في توسعها العسكري على مجموعات خاصة مثل “فاغنر”، التي برز دورها في مالي وليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى، مما أثار قلق القوى الغربية وخاصة فرنسا التي ترى في التمدد الروسي تهديدًا لنفوذها التقليدي.
وفي ظل تصاعد الصراع مع أوكرانيا وتعرض موسكو لعقوبات اقتصادية غربية واسعة، أصبحت أفريقيا ساحة استراتيجية مهمة لروسيا لكسر عزلتها الاقتصادية والسياسية، كما تستغل موسكو حالة التنافس الدولي بين القوى الكبرى في أفريقيا، خصوصًا مع الولايات المتحدة والصين وفرنسا.
وفي مجال الطاقة، برزت دبلوماسية الطاقة الروسية عبر استثمارات ضخمة في قطاع النفط والغاز والطاقة النووية، مع توسع شركات مثل “روساتوم” و”غازبروم” في مشاريع كبرى في مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، ما يعزز مكانة روسيا كمورد للطاقة وتكنولوجيا الطاقة النووية في القارة.
كذلك، تعتمد روسيا على استراتيجية مكافحة الإرهاب، من خلال تقديم الدعم العسكري والتدريب وتوفير الأسلحة، لتعزيز مكانتها كطرف فعّال في مواجهة التنظيمات الإرهابية، خصوصًا في منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما جذب اهتمام دول مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد.
رغم التحديات التي تواجهها روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، فإن توسعها في أفريقيا يوفر فرصًا حقيقية للقارة، ويتيح لها هامشًا أوسع للمناورة السياسية والاقتصادية، لكن ذلك مرهون بقدرة الأفارقة على توظيف هذا الاهتمام الروسي لصالح مصالحهم الوطنية بعيدًا عن مخاطر الاستغلال السياسي والاقتصادي، وكذلك قدرة موسكو على تحقيق التوازن بين مصالحها في أفريقيا والتحديات التي تواجهها على المستوى الدولي.

شاهد أيضاً

توغو تسعى للانضمام إلى تحالف دول الساحل

تحرير : خديجة منصور أعربت توغو رغبتها في الانضمام إلى تحالف دول الساحل، الذي يضم …